Pages

Thursday, July 26, 2012

Bertayammum التيمم

كفاية الأخيار " جزء 1 - صفحة 84 "

فصل : وشرائط التيمم خمسة أشياء : وجود العذر بسفر أو مرض
 

التيمم لغة: هو القصد، يقال: "يممك فلان بالخير" إذا قصدك 
وفي الشرع: عبارة عن إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة 

والأصل في جوازه الكتاب والسنة، وسنورد الأدلة في مواضعها ثم ضابط جواز التيمم العجز عن استعمال الماء إما لتعذره أو لعسره لخوف ضرر ظاهر 
[{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا } (النساء: 43)]

[قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: 
وهل هو [التيمم] رافِع للحَدَثِ، أو مُبيح لما تَجِبُ له  الطَّهارة؟ اختُلِف في ذلك:
فقال بعض العلماء: إنه رافع للحَدَثِ.
وقال آخرون: إنه مُبيح لما تجب له الطَّهارة.
والصواب هو القول الأول:
1ـ لقوله تعالى لمَّا ذكر التيمم: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} (المائدة: 6).
2ـ وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: "وجُعِلَت لي الأرضُ مسجداً وطَهوراً ". والطَّهور بالفتح: ما يُتَطَهَّر به.
3ـ ولأنَّه بَدَل عن طهارة الماء، والقاعدة الشَّرعيَّة أنَّ البَدَل له حُكْم المُبْدل، فكما أنَّ طهارة الماء تَرفعُ الحَدَثَ فكذلك طهارة التَّيمُّم.
 

ويترتَّب على هذا الخلاف مسائل منها:
(أ) إذا قلنا: إنه مُبيح فَنَوى التَّيمُّم عن عِبادة لم يَستبِحْ به ما فوقها.
فإذا تيمَّم لنافلة لم يُصلِّ به فريضة؛ لأن الفريضة أعلى، وإذا تيمَّم لِمَسِّ المصحف لم يُصلِّ به نافلة، إذ الوُضُوء للنَّافلة أعلى فهو مُجْمع على اشتراطه بخلاف الوُضُوء لِمَسِّ المصحف، وهكذا. 

(ب) إذا قلنا: إنه مُبيح، فإذا خرج الوقت بَطلَ؛ لأن المبيح يُقتصر فيه على قَدْرِ الضَّرورة، فإذا تيمَّم للظُّهر ـ مثلاً ـ ولم يُحْدِث حتى دخل وقت العصر فعليه أن يُعيدَ التَّيمُّم.
وعلى القول بأنه رافع، لا يجب عليه إعادة التيمُّم، ولا يَبْطُل بخروج الوقت.
(جـ) إذا قلنا: إنه مبِيح، اشترط أن ينوِيَ ما يتيمَّم له، فلو نَوَى رفْع الحَدَث فقط لم يرتفع.
وعلى القول بأنه رافع لا يُشترَط ذلك، فإذا تيمَّم لرَفْع الحَدَث فقط جاز ذلك. ]


وللعجز أسباب : منها السفر والمرض 
والأصل في ذلك قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } قال ابن عباس رضي الله عنهما : "المعنى وإن كنتم مرضى فتيمموا وإن كنتم على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا"

ثم الماء في الحق المسافر له أربعة أحوال :

أحدهما [الحالة الأولى]: أن يتيقن عدم الماء حواليه بأن يكون في بعض رمال البوادي، فهذا يتيمم ولا يحتاج إلى الطلب على الراجح لأن الطلب والحالة هذه عبث

الحالة الثانية : أن يجوز وجود الماء حوله تجويزا قريبا أو بعيدا، فهذا يجب عليه الطلب بلا خلاف لأن التيمم طهارة ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء

الحالة الثالثة : أن يتيقن وجود الماء حواليه وهذا له ثلاث مراتب :

[المرتبة] الأولى : أن يكون الماء على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إلى الماء ولا يجوز التيمم 
قال محمد بن يحيى : "لعله يقرب من نصف فرسخ وهذه المسافة فسرت فوق المسافة عند التوهم"
المرتبة الثانية : أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه خرج الوقت، فهذا يتيمم على المذهب لأنه فاقد للماء في الحال ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلا 
بخلاف ما لو كان الماء معه وخاف فوت الوقت او توضأ فإنه لا يجوز له التيمم على المذهب لأنه ليس بفاقد للماء في الحال 
ثم هذه المسافة تعتبر بوقت الصلاة الحاضرة بكاملها حتى لو وصل إلى منزله في آخر الوقت وجب قصد الماء والوضوء وإن فات الوقت أو الاعتبار بوقت الطلب ولا نظر إلى أول الوقت 
الراجح عند الرافعي الأول وهو الاعتبار بكل وقت تلك الفريضة 
ورجح النووي الثاني وهو أن الاعتبار بوقت الطلب 
المرتبة الثالثة : أن يكون الماء بين المرتبتين بأن زيد مسافته على ما ينتشر إليه النازلون وتقصر عن خروج الوقت وفي ذلك خلاف منتشر والمذهب جواز التيمم لأنه فاقد للماء في الحال وفي السعي زيادة مشقة
المرتبة الرابعة : أن يكون الماء حاضرا لكن تقع عليه زحمة المسافرين بأن يكون في بئر ولا يمكن الوصول إليه إلا بآلة وليس هناك إلا آله واحدة أو لأن موقف الاستقاء لا يسع إلا واحدا وفي ذلك خلاف والراجح أنه يتيمم للعجز الحسي ولا إعادة عليه على هذا المذهب والله أعلم

وأما المرض فهو على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : أن يخاف معه بالوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو فوت منفعة العضو. 

ويلحق بذلك ما إذا كان به مرض غير مخوف إلا أنه يخاف من استعمال الماء أن يصير مرضا مخوفا فيباح له التيمم والحالة هذه على المذهب
القسم الثاني : أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة الألم وإن لم تزد المدة، أو يخاف بطء البرء وهو طول مدة المرض وإن لم يزد الألم، أو يخاف شدة الضنى وهو المرض المدنف الذي يجعله ضنى، أو يخاف حصول شين فبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو عند المهنة وهي الخدمة، وفي جميع هذه الصور خلاف منتشر 

والراجح جواز التيمم وعلة الشين الفاحش أنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو
القسم الثالث : أن يخوف شيئا يسيرا كأثر الجدري أو سوادا قليلا أو يخاف شيئا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة، أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة وإن تألم في الحال كجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف والله أعلم
 

فرع
للمريض أن يعتمد على معرفة نفسه في كون المرض مخوفا إذا كان عارفا 
ويجوز له أن يعتمد على قول طبيب حاذق فلا يقبل قول غير الحاذق 
ويشترط مع حذقه الإسلام فلا يقبل قول الكافر لأن الله تعالى فسقه فيلغي ما ألغاه الله ولا يغتر بصنيع فقهاء الرجس 
ويشترط فيه أيضا البلوغ فلا يقبل قول الصبي 
ويشترط فيه العدالة أيضا فلا يقبل قول الفاسق لأن الله تعالى أو جب الوضوء فلا يعدل عنه إلا بقول من يقبل قوله وقد ألغى الله تعالى قول الفاسق فيلزم من قبول قول الفاسق مخالفة الرب فيما أمر به 
ويقبل قول العبد والمرأة ويكفي واحد على المشهور وقيل لا بد من اثنين كما في المرض المخوف في الوصية 
فإن المذهب الجزم باشتراط العدد هناك وكان الفرق أن الوصية يتعلق ذلك بحقوق الآدميين من الورثة والموصى لهم فاشترط العدد 
وفي التيمم الحق لله تعالى وحقه مبني على المسامحة ولأن الوضوء له بدل وهو التيمم ولا كذلك في الوصية 

ولو لم يوجد طبيب بشروطه
قال الروياني : قال السنجي : لا يتيمم قال النووي : ولم أر لغيره ما يخالفه ولا ما يوافقه
قال الإسنائي : وفي فتاوى البغوي الجزم بأنه يتيمم
فتعارض الجوابان وإيجاب الوضوء والغسل مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة الهلاك بعيد عن محاسن الشريعة فنستخير الله تعالى ونفتي بما قاله البغوي والله أعلم


قال : ودخول وقت الصلاة وطلب الماء وتعذر استعماله

يشترط لصحة التيمم
1.   دخول وقت الصلاة
2.   وطلب الماء
3.   وتعذر استعماله

دخول وقت الصلاة
لقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } الآية والقيام إليها لا يكون إلا بعد دخول الوقت خرج الوضوء بدليل وبقي التيمم على ظاهر الآية لقوله صلى الله عليه وسلم : " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت "
ولأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة إليه قبل دخول وقت الصلاة والله أعلم
[وهذا مبنيٌّ على القول بأنَّه مبيح لا رافع. والصَّواب أنه رافع، فمتى تيمَّم في أيِّ وقتٍ صحَّ]

ويشترط لصحة التيمم
طلب الماء
لقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } أمرنا بالتيمم عند عدم الوجدان ولا يعلم عدمه إلا بالطلب ويشترط في الطلب أن تكون بعد دخول الوقت لأنه وقت الضرورة وله أن يطلب بنفسه وكذا يكفيه طلب من أذن له على الصحيح
قلت : يشترط أن يكون موثوقا به في الطلب والله أعلم ولا يكفي طلب من لم يأذن له بلا خلاف

وكيفية الطلب
أن يفتش رحله لاحتمال أن يكون في رحل ماء وهو لا يشعر به، 
فإن لم يجد نظر يمينا وشمالا وأماما وخلفا إن استوى موضعه ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط 
فإن لم يستو الموضع نظر -إن خاف على نفسه أو ماله لو تردد- لم يجب، ووجب عليه التردد إلى حد يلحق غوث الرفاق مع ما هم عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم 
ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا فإن كان معه رفقة وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع الصلاة على الراجح، وقيل يستوعبهم ولو خرج الوقت ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل يكفي أن ينادي فيهم من معه ماء من يجود بالماء ؟ ونحوه 
ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم ثم متى عرف معهم ماء وجب عليه طلبه ولو كان على وجه الهبة على الراجح 
ولو أعير الدلو وجب قبوله 
ولو أقرض الماء وجب قبوله على الصحيح 
ويجب عليه أن يشتري ماء الوضوء والغسل ويصرف إليه أي نوع كان معه من الماء إلا أن يحتاج إلى الثمن لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه فلا يجب الشراء حينئذ 
ولا يجب عليه أن يشتريه بزيادة على ثمن مثله وإن قلت الزيادة على الراجح 
ولو لم يعره أحد آلة الاستقاء إلا بالأجرة وجب عليه إجارتها بأجرة المثل 
ولو قدر على أن يدلي عمامته في البئر ويعصرها وجب عليه ذلك 
فلو لم تصل إلى الماء وأمكن شقها شقها وشد بعضها ببعض لتصل لزمه ذلك 
إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على ثمن الماء أو أجرة الحبل 
وفي ضبط ثمن المثل أوجه الراجح ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة 

وقوله : وتعذر استعماله 

وتعذر استعماله
يشمل أنواع أسباب إباحة التيمم وقد مر ذكر السفر والمرض 

[الخوف]
ومن أسباب الإباحة أيضا ما إذا كان بقربه ماء ويخاف لو سعى إليه على نفسه من سبع أو عدو عند الماء أو يخاف على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاضب أو سارق 
وإن كان في سفينة لو استلقى في البحر فله التيمم في ذلك كله 
ولو خاف الانقطاع عن الرفقة إن كان عليه ضرر لو قصد الماء فله التيمم قطعا وإن لم يكن عليه ضرر فخلاف الراجح أن له أن يتيمم للوحشة 

ومن أسباب إباحة التيمم الحاجة إلى العطش 
إما لعطشه أو عطش رفيقه أو عطش حيوان محترم في الحال أو في المستقبل 
ولو مات رجل وله ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه، وجب عليهم ثمنه وجعله في الميراث، وثمنه قيمته في موضع الإتلاف في وقته 

ومن الأسباب عدم استعماله لأجل الجراحة 
وما في معناها كالدمامل ونحوها سواء كان ثم جبيرة أم لا 

وقد ذكرها الشيخ بعد ذلك لأجل حكم القضاء: "وللعطشان أن يأخذ الماء من صاحبه قهرا إذا لم يبذله بشرط عدم احتياجه اليه وعليه قيمته" والله أعلم 


قال : والتراب الطاهر
 
والتراب الطاهر
لا يصح التيمم الا بتراب طاهر خالص غير مستعمل، 
فالتراب متعين سواء كان أحمر وأسود أو أصفر وسواء فيه الأرمني أو غيره لصدق اسم التراب على ذلك كله 
ولا يصح بالنورة والجص وسائر المعادن 
ولا بالأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وشبه ذلك، وفي وجه يجوز بجميع ذلك وهو غلط 
واحتج القائلون به بقوله { فتيمموا صعيدا طيبا } وهو يقع على التراب وعلى كل ما على وجه الأرض 
ونسب ذلك إلى مالك وأبي حنيفة أيضا وقالا : إنه يجوز بجميع أنواع الأرض حتى بالصخرة المغسولة 
ونقل الرافعي عن مالك أنه قال : يجوز أيضا بما هو متصل بالأرض كالشجر والزرع 
ونقل النووي في شرح مسلم عن الأوزاعي وسفيان الثوري أنه يجوز بكل ما على وجه الارض حتى بالثلج 

ومذهب الشافعي وجمهور الفقهاء وبه الإمام أحمد وابن المنذر وداود أنه لا يجوز التيمم الا بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين، لأن الصعيد يصدق على الرتاب وعلى وجه الأرض وعلى الطريق فهو مجمل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم " التراب كافيك " وقال صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا إذا لم تجد الماء " رواه مسلم عدل عليه الصلاة والسلام إلى ذكر التراب بعد ذكر الأرض ولولا اختصاص الطهورية به لقال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وتربتها أي ترابها لأنه جاء مبينا كما رواه الدارقطني في سننه وأبو عوانة في صحيحه وترابها طهورا

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : الصعيد هو التراب الحرث وعن علي وابن مسعود أنه التراب الذي يغبر وقال وقال الشافعي رضي الله عنه : أنه كل تراب ذي غبار وقوله حجة في اللغة يشترط التراب أن لا يخرج عن حاله إلى حالة أخرى تمنع الاسم حتى لو أحرق التراب حتى صار رمادا أو سحق الخزف لم يجز التيمم به ولو شوى الطين وسحقه ففي جواز التيمم به وجهان ولم يرجح الرافعي في هذه الصورة شيئا ولا النووي في الروضة ولو أصاب التراب نار فاسود ولم يحترق ففيه الوجهان صحح النووي في هذه الصورة القطع بالجواز وهل يجوز التيمم بالرمل ؟ ان كان خشنا لم يرتفع منه غبار بالضرب لم يجز وإن ارتفع كفى وان كان ناعما جاز لانه من جنس التراب قاله الرافعي وجزم به النووي في فتاويه لكنه قال في شرح المهذب وشرح الوسيط وتصحيح التنبيه : إنه لو تيمم بتراب مخلوط برمل ناعم لا يجوز فالرمل الصرف أولى بالمنع ثم شرط التراب أن يكون طاهرا لقوله تعالى { صعيدا طيبا } والطيب هنا الطاهر لأن الطيب يطلق على ما تستلذ به النفس وعلى الحلال وعلى الطاهر والأولان لا يليق وصف التراب بهما فتعين الثالث وفي قوله صلى الله عليه وسلم " وتربتها طهورا " ما يدل عليه ولأن الماء النجس لا يجوز الوضوء به وكذا التراب النجس

وقوله: "طاهر" يؤخذ منه أنه لو تيمم بتراب طاهر على شيء نجس فانه يجزىء وهو كذلك ثم لا بد في التراب من كونه خالصا فلا يصح التيمم بتراب مخلوط بدقيق وزعفران ونحوه بلا خلاف وكذا لو كان الخليط قليلا على الصحيح والكثير ما يرى والقليل مالا يظهر قاله الامام ثم لا بد في التراب أيضا أن لا يكون مستعملا كالماء على الصحيح لانه أبيح به ما كان ممنوعا منه والمستعمل ما لصق بالعضو والا فهو غير مستعمل قاله النووي في شرح المهذب قال :
 

وفرائضه أربعة أشياء: 
النية

النية 
النية واجبة في التيمم للخبر المشهور " إنما الأعمال بالنيات " ولأنه عبادة فافتقر إلى النية كالصلاة والوضوء 

وكيفيتها

[أنواع النية الباطلة في التيمم]
[أولا] أن ينوي استباحة الصلاة ولا يكفي أن ينوي رفع الحدث لأن التيمم لا يرفع حدثه بدليل
  • قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن العاص لما أصابته جنابة فتيمم وصلى بأصحابه فقال له عليه الصلاة والسلام " أصليت بأصحابك وأنت جنب"
  • ولأنه لو رفعه لما بطل برؤية الماء كالوضوء بالماء 
[ثانيا] ولا تكفي نية الطهارة عن الحدث على الصحيح 
[ثالثا] ولو نوى أداء فرض التيمم أو فريضة التيمم فوجهان:
أحدهما يكفي كالوضوء 
وأصحهما لا يكفي والفرق أن الوضوء قربة مقصودة في نفسها ولهذا يندب تجديده بخلاف التيمم فإنه لا يندب تجديده 
[رابعا]ولو اقتصر على نية التيمم لم يجزه قاله الماوردي 
تأخر النية
واعلم أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول مفروض -وأول أفعاله المفروضة نقل التراب- 
والمراد "بالنقل" الضرب فلا بد من النية قبل رفع يديه من التراب فإذا قارنته وعزبت قبل مسح وجهه أجزأه على الراجح في الشرح والروضة 
وقال ابن الرفعة : أصحهما لا يجزىء لأن النقل وان وجب الا أنه غير مقصود في نفسه

ثم إذا نوى الاستباحة فله أربعة أحوال :
أحدهما: أن ينوي استباحة الفرض والنفل معا فيستبيحهما 
وله التنقل قبل الفريضة وبعدها وفي الوقت وخارجه 
ولا يشترط تعيين الفريضة على الراجح ويكفي نية الفرض مطلقا ويصلي أي فريضة شاء وان نوى معينه فله أن يصلي غيرها : 
الحالة الثانية: أن ينوي الفريضة سواء كانت إحدى الخمس أو منذورة ولا تحضر له النافلة فيباح له الفريضة لأنه نواها وكذا النافلة قبلها وبعدها وبعد الوقت على الراجح لأن النفل تبع للفريضة 
الحالة الثالثة: أن ينوي النفل وحده فلا يستبيح الفرض على الراجح لان النفل تبع الفرض والفرض متبوع فلا يصح أن يكون تابعا ولم ينوه 
ولو نوى مس المصحف أو الجنب الاعتكاف فهو كنية النفل فلا يستبيح الفرض على المذهب ويستبيح ما نوى على الصحيح 
ولو نوى التيمم لصلاة الجنازة فهو كالتيمم للنفل على الصحيح لأنها وان تعينت عليه فهي كالنوافل من حيث انها غير متوجهة عليه بعينه ألا ترى أنها تسقط بفعل غيره 
الحالة الرابعة: أن ينوي للصلاة فقط فهو كمن نوى النفل على الراجح والله أعلم

فرع 
لو تيمم بنية استباحة الصلاة ظانا أن حدثه أصغر فكان أكبر أو ظن أن حدثه أكبر فكان أصغر بلا خلاف لأن موجب الحدثين واحد والله أعلم 


قال : ومسح الوجه واليدين إلى المرفقين والترتيب
 

من فرائض التيمم مسح الوجه واليدين 

لقوله تعالى { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
ولفعله عليه الصلاة والسلام 

أما الوجه فيجب استيعابه كالوضوء 
نعم لا يجب ايصال التراب إلى منابت الشعر الذي يجب إيصال الماء إليها على المذهب للمشقة 
قال القاضي حسين : لا يسن أيضا ويجب إيصال التراب إلى ظاهر ما استرسل من اللحية على الأظهر كالوضوء 

وأما اليدان فيجب استيعابهما بالتراب مع المرفقين وهذا هو المذهب في الرافعي والروضة 
واحتج له بقول ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قال " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " رواه الحاكم وأثنى عليه 
وخالفه البيهقي وقال : الصواب وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما 
وبالقياس على الوضوء 

وفي قول قديم يمسح الكفين فقط 
واحتج له بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار " إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا : ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة : ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه " وهو حديث صحيح رواه الشيخان وقد علق الشافعي في القديم الاقتصار على الكفين على صحة حديث عمار وقد صح فهو مذهب الامام أحمد ومالك واختاره النووي وقال في شرح المهذب : انه أقوى في الدليل وأقرب إلى ظاهر السنة الصحيحة والله أعلم 
وقال ابن الرفعة بعد كلام ذكره الامام : يتعين ترجيح القديم والله أعلم 
 
قال النووي في أصل الروضة :"واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين في الأخبار فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر وقالوا : لا يجوز النقص عن ضربتين وتجوز الزيادة والأصح ما قاله الآخرون : ان الواجب ايصال التراب سواء حصل بضربة أو أكثر 
لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين ولا ينقص وسواء حصل بيد أو خرقة أو خشبة 
ولا يشترط امرار اليد على العضو على الراجح 
ولا يشترط الضرب أيضا حتى لو وضع يده على تراب ناعم فعلق غبار بها كفى ولو كان يمسح بيده فرفعها في أثناء العضو ثم ردها جاز ولا يفتقر إلى أخذ تراب جديد على الأصح والله أعلم 


ومن فرائض التيمم الترتيب 

فيجب تقديم الوجه على اليدين سواء في ذلك تيمم للوضوء أو للجنابة لأن التيمم طهارة في عضوين فأشبه الوضوء لحديث عمار رضي الله عنه فلو تركه ناسيا لم يصح على المذهب كالوضوء 

ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على الأصح حتى لو ضرب بيديه على الأرض وأمكنه مسح الوجه بيمينه ومسح يمينه بيساره جاز وكذا لو ضرب الضربة الثانية ولا يكفي تحريكه بخلاف الوضوء لأن التراب لا يدخل تحته والله أعلم

فرع 

لو تيمم وعلى يده نجاسة وضرب بها على تراب طاهر ومسح وجهه جاز على الأصح ولا يجوز مسح النجسة بلا خلاف كما لا يصح غسلها عن الوضوء مع بقاء النجاسة 
ولو تيمم ووقع عليه نجاسة لم يبطل تيممه على المذهب 
ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة ففي صحة تيممه وجهان كما لو كان عليه نجاسة والله أعلم قال :
 

وسننه ثلاثة أشياء : 
  1. التسمية 
  2. وتقديم اليمنى على اليسرى 
  3. والموالاة قياسا على الوضوء
  4. تخفيف التراب
  5. وأن ينزع خاتمه في الضربة الأولى
  6.  
ومن سننه أيضا تخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا وأن ينزع خاتمه في الضربة الأولى وأن يستقبل القبلة كالوضوء وأن يشبك أصابعه بعد الضربتين 
قال في أصل الروضة : وينبغي استحباب الشهادتين بعد التيمم كالوضوء والغسل والله أعلم

كفاية الأخيار " جزء 1 - صفحة 95 "
فصل : 


والذي يبطل التيمم ثلاثة أشياء : 
  1. ما يبطل الوضوء 
  2. ورؤية الماء في غير الصلاة 
  3. والردة
إذا صح التيمم بشروطه ثم أحدث بطل تيممه لأنه طهارة تبيح الصلاة فيبطل بالحدث كالوضوء ولا فرق في هذا بين التيمم عند عدم الماء أو مع وجوده كتيمم المريض 
فلو تيمم لفقد الماء ثم رأى الماء قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه لقوله صلى الله عليه وسلم " الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته " قال الترمذي : حسن صحيح ولأن الماء أصل والتيمم بدل فأشبه رؤية الماء في أثناء التيمم فإنه يبطله 
قال ابن الرفعة : بالإجماع 

واعلم أن توهم وجود الماء كرؤيته كما إذا رأى سرابا فظنه ماء أو أطبقت بقربه غمامة أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء وهذا كله إذا لم يقارن الماء ما يمنع القدرة على استعماله 
فإن كان هناك ما يمنع استعماله كما إذا رأى ماء وهو محتاج إليه لعطش كما مر أو كان دون الماء حائل من سبع أو عدو أو رآه في قعر بئر وهو يعلم حال رؤيته تعذر استعماله فلا يبطل تيممه لأن هذه الأسباب لا تمنع صحة التيمم ابتداء فلا تبطله أولى 

أما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة نظر : 
إن كانت الصلاة تغنيه عن القضاء كصلاة المسافر فظاهر المذهب ونص الشافعي "أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه لأنه متيمم دخل في صلاة لا يعيدها، فأشبه ما لو رآه بعد الفراغ منها 
ولأن فيه إبطال عبادة مجزئة 
ولأنه بالشروع في الصلاة قد تلبس بالمقصود ووجد أن الأصل بعد التلبس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل كما لو شرع المكفر في صيام ثم وجد الرقبة لا يلزمه إخراج الرقبة 

وإن كانت الصلاة لا تغنيه عن القضاء كصلاة الحاضر بالتيمم بطلت على الصحيح لأنها لا يعتد بها إذا تمت ويجب قضاؤها فلا حاجة إلى اتمامها وإعادتها وقيل يتمها ويعيدها والله أعلم

فرع
اعلم أن المصلي بالتيمم في موضع يغلب فيه عدم الماء لا قضاء عليه مطلقا سواء كان مسافرا أو مقيما 
وإن كان في موضع يغلب فيه وجود الماء يجب عليه القضاء مطلقا سواء كان مسافرا أو مقيما (كذا ذكره النووي في شرح المهذب، وقد ذكر ذلك الرافعي رحمه الله تعالى في آخر باب التيمم في فصل القضاء بالأعذار) 
وحينئذ تمثيلهم عدم القضاء بالسفر جرى على الغالب في أن السفر يغلب فيه عدم الماء بخلاف الحضر فإنه يغلب فيه وجود الماء فاعرف ذلك فإنه مهم هو الصحيح 
وفيه مع الوضوء ثلاثة أوجه الصحيح يبطل تيممه دون وضوئه والفرق أن التيمم مبيح ولا إباحة مع الردة بخلاف الوضوء فإنه رافع فله قوة استدامة حكمه ولهذا لا يبطل غسله بالردة على المشهور وقيل هو الوضوء والله أعلم 


حكم المسح على الجبيرة
 قال :
وصاحب الجبائر يمسح عليها ويتيمم ويصلي ولا إعادة عليه إن وضعها [الجبيرة] على طهر

اعلم أن وضع الجبائر يكون لكسر أو انخلاع، وصاحب ذلك قد يحتاج إلى وضع الجبيرة وقد لا يحتاج، 
فإن احتاج إلى وضعها بأن خاف على نفسه أو عضوه على ما مر في المرض وضعه ثم ينظر : 
  1. إن قدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة في المرض وجب النزع وغسل الصحيح وغسل موضع العلة إن أمكن وإلا مسحه بالتراب إن كان في موضع التيمم 
  2. وإن لم يقدر على نزع الجبيرة إلا بضرر من الأمور المتقدمة في المرض كخوف فوات النفس أو العضو أو منفعته أو حصول شين فاحش في عضو ظاهر فلا يكلف نزع الجبيرة لكن يجب عليه أمور:
  • منها غسله الصحيح على المذهب ويجب غسل ما يمكن غسله حتى ما تحت أطراف الجبيرة على الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة ويعصرها لتنغسل تلك المواضع بالمتقاطر 
  • ومنها مسح الجبيرة بالماء على المشهور كما ذكره الشيخ لأجل ما أخذت الجبيرة من الصحيح ويجب مسح كل الجبيرة على الصحيح 
  • ومنها أنه يجب التيمم مع ذلك على المشهور
ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره 
وإن كان محدثا الحدث الأصغر فالصحيح أنه لا ينتقل من عضو إلى عضو حتى يتم طهارته 
فإن كانت الجبيرة على اليد مثلا وجب تقديم التيمم على مسح الرأس 
ولو كانت الجبائر على عضوين أو ثلاثة تعدد التيمم 
قال النووي : ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة قال الأصحاب : يكفي تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل والله أعلم 
ثم ما ذكرنا من وجوب غسل الصحيح ومسح الجبيرة والتيمم إنما يكفي بشرطين :
أحدهما: أن لا يحصل تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للإمساك 
والثاني: أن يضعها على طهر فإن لم يكن كذلك وجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فتترك الجبيرة ويجب القضاء عند البرء قال في الروضة تبعا للرافعي : بلا خلاف 

فأما إذا لم يحتج إلى وضع الجبيرة لكن يخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان بأن يتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر باقي الصحيح ويجب التيمم والحالة هذه بلا خلاف كما قاله النووي لئلا يبقى موضع الكسر بلا طهارة 
ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه كذا قاله الأصحاب 
ثم إذا تيمم والعلة في محل التيمم أمر التراب عليها وكذا لو كان للجراحة أفواه مفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب 
واعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى أن تلزق عليها خرقة أو قطنا أو نحوهما فلها حكم الجبيرة في كل ما سبق وقد لا تحتاج إلى وضع لزقة فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح 
ولا يجب مسح الجريح بالماء ولا يجب عليه وضع اللزقة والجبيرة لأجل أن يمسح على ما قاله الجمهور وهو الصحيح 
ثم إذا غسل الصحيح وتيمم لكسر أو جرح مع المسح على حال أو دونه وصلى فريضة ثم حضرت فريضة أخرى لم يجب إعادة الغسل إن كان جنبا ولا إعادة الوضوء إن كان محدثا على الصحيح وليس على الجنب إلا التيمم 
وفي المحدث وجهان أصحهما عند الرافعي أنه يجب عليه أن يغسل ما بعد العليل لأجل الترتيب لأنه إذا بطلت الطهارة في العليل بطل ما بعده وأصحهما عند النووي أنه لا يجب إلا التيمم فقط كالجنب لأن التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم من ارتفاع حكمها بطلان طهارة أخرى وقوله ولا إعادة عليه إن وضعها على طهر مفهومه أنه إذا وضعها على غير طهر أنه يعيد وهو كذلك على الصحيح المنصوص لأنه عذر نادر لا يفعل غالبا والله أعلم 

قال :
ويتيمم لكل فريضة ويصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل
لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فريضة واحدة واحتج له الرافعي بقول ابن عباس رضي الله عنهما " من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا مكتوبة واحدة " والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إسناده شيء واضح، 
[قال ابن قدامة: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَيَرْوِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، 
ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَوَاتٍ مِنْ التَّطَوُّعِ ، وَيَجْمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فَرْضٍ وَنَفْلٍ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ فَرْضَيْ وَقْتَيْنِ لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ ، بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى مِنْهَا .]
نعم روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " رواه البيهقي بإسناد صحيح لكن خالفه ابن خزيمة 
وأحسن ما يحتج به قوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله { فتيمموا } أوجب الوضوء والتيمم لكل صلاة وكان ذلك ثابتا في ابتداء الإسلام ثم خرج الوضوء بفعله صلى الله عليه وسلم : " فإنه صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد " حديث صحيح رواه ابن عمر رضي الله عنهما 

فبقي التيمم بمقتضى الآية ولا يمكن أن يقاس التيمم على الوضوء لأن التيمم طهارة ضرورة لا يرفع الحدث لما مر من قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: " أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ "

[قلت: الحديث بأكمله يدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بما فعله عمرو بن العاص، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: "احْتَلَمْتُ فِى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِى غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِى الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ ». فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى مَنَعَنِى مِنَ الاِغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّى سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا". 
قال ابن قدامة: " وَسُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ ؛ وَلِأَنَّهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ ، فَأُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَالْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ ، وَكَمَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ عَطَشًا أَوْ لِصًّا أَوْ سَبُعًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ ." ]

وذهب المزني إلى أنه يجمع بتيمم واحد فرائض ونوافل وهو بناء منه على أصله وهو أن التيمم يرفع الحدث وهو مردود بما مر 
فعلى الصحيح لا يجمع بين فريضتين:
  • سواء كانت الفريضتان متفقتين كصلاتين أو مختلفتين كصلاة وطواف 
  • وسواء كانت مقضيتين أو حاضرة ومقضية 
  • وسواء كانت مكتوبة ومنذورة أو منذورتين وفي وجه يجمع بين منذورة ومقضية وفي آخر بين منذورتين 
  • وفي وجه شاذ يجوز في فوائت وفائتة ومؤداة 
والصبي كالبالغ على المذهب لأن ما يؤديه حكمه حكم الفرض ألا ترى أنه ينوي بصلاته المفروضة 
 وكذا لا يجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها 
نعم صلاة الجنازة لها حكم النافلة على الراجح من طرق فيجوز الجمع بين صلوات الجنائز وبين صلاة جنازة ومكتوبة وبين جنائز ومكتوبة لأن صلاة الجنازة فرض كفاية وفروض الكفاية ملحقة بالنوافل في جواز الترك وعدم الانحصار بخلاف فرض العين 
و يجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل لأن النوافل في حكم صلاة واحدة ألا ترى أنه إذا نحرم بركعة له أن يجعلها مائة ركعة وبالعكس ولأن في تكليف التيمم لكل نافلة مشقة فربما أدى إلى تركها والشرع خفف فيها فجوزها قاعدا مع القدرة على القيام وعلى الراحلة ولغير القبلة في السفر لتكثر ولا ينقطع الشخص عنها والله أعلم
 

فرع 

لو لم يجد الجنب أو المحدث إلا ماء لا يكفيه وجب عليه استعماله على الصحيح ويجب التيمم للباقي 
 ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه وجب استعماله على المذهب 
وكذا لو كان عليه نجاسات فوجد من الماء ما يغسل بعضها وجب غسله على المذهب 
فلو كان محدثا أو جنبا أو عليه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما غسل النجاسة ثم تيمم لأن النجاسة لا بدل لها ولو جاز المسافر بماء في الوقت فلم يتوضأ منه فلما بعد عنه تيمم وصلى جاز ولا إعادة عليه على المذهب 
ولو لم يجد ماء ولا ترابا فالصحيح أنه يصلي لحرمة الوقت ويعيد وصلاته توصف بالصحة فإذا قدر على الماء أعاد 
وإن قدر على التراب فهل يعيد ؟ 
نظر إن قدر عليه في موضع يسقط به القضاء أعاد وإلا فلا يعيد إذ لا فائدة في صلاة بالتيمم تعاد بل كان جنبا ؟ مقتضى كلام الرافعي في هذا في باب التيمم أنه لا يقرؤها ويأتي بالذكر وتبعه النووي لكن صحح النووي في باب الغسل أنه يجب عليه أن يقرأها ولو تيمم عن جنابة ثم أحدث حرم عليه ما يحرم على المحدث ولا تحرم القراءة ولا اللبث في المسجد ثم برؤية الماء تحرم كسبع أو عدو كما تقدم ونحو ذلك والله أعلم
 


( مسألة ) 
وجد المسافر على الطريق خابية مسبلة للشرب لا يجوز له أن يتوضأ منها ويتيمم لأنها توضع للشرب كذا ذكره المتولى والروياني ونقله عن الأصحاب والله أعلم


No comments:

Post a Comment