Pages

Thursday, October 4, 2012

النجاسات Benda-benda yang najis



كفاية الأخيار " جزء 1 - صفحة 100 "
 

فصل : وكل مائع خرج من السبيلين نجس إلا المني 

لا بد من معرفة النجاسة أولا لأن ما خرج من السبيلين هو أحد أنواع النجاسة ثم 
النجاسة لغة: هي كل مستقذر 
وفي الشرع: عبارة عن كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكانه لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل 

شرح للتعريف

فقوله "على الإطلاق" احترز به عن النباتات السمية فإنه يباح منها القليل دون الكثير 
وقوله "مع إمكانه" احترز به عن الأحجار والأشياء الصلبة فإنه لا يمكن تناولها على الإطلاق أي أكلها 
وقوله "لا لحرمتها" احترز به عن المحترم كالآدمي 
وقوله "أو استقذرها" احترز به عن المخاط ونحوه 
وبقية ما ذكرنا في الحد احترز به عن التراب فإنه يضر بالبدن والعقل 
وينبغي أن يزيد في الحد "في حال الاختيار" ليدخل في الحد الميتة فإنه يباح أكلها عند الضرورة مع النجاسة في ذلك الوقت حتى إنه يجب عليه غسل فمه 

نجاسة ما انفصل من الحيوان

إذا عرفت هذا فاعلم أن المنفصل عن باطن الحيوان نوعان : 
[النوع الأول:] أحدهما: ما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وإنما يرشح رشحا كاللعاب والعرق ونحوهما فله حكم الحيوان المترشح منه إن كان نجسا فنجس وإلا فطاهر 
النوع الثاني: ما له استحالة كالبول والعذرة والدم والقيء : [القول الأول] فهذه الأشياء كلها نجسة من جميع الحيوانات المأكولة وغيرها 

القول الثاني: ولنا وجه أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران وبه قال الاصطرخي والروياني وهو مذهب مالك وأحمد رضي الله عنهما وتمسكوا بأحاديث هي معارضة وقد وقع الإجماع على نجاسة هذه الأشياء من غير المأكول 
ويقال المأكول على غيره لأنها متغيرة مستحيلة مستقذرة 


نجاسة ما خرج من السبيلين من بني آدم

واحتج لنجاسة البول بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " بصب ذنوب من ماء عليه فصب " والذنوب بفتح الذال : الدلو المملوء 
قال النووي : وفيه إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين البول الصغير والكبير بإجماع من يعتد بإجماعه نعم يكفي في بول الصغير النضح   


واحتج له بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام " مر بقبرين فقال إنهما يعذبان: فكان أحدهما يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول " وفي رواية " لا يستنزه " وفي رواية " لا يستبرىء " وكلها صحيحة ومعناهن لا يجتنبه ويحترز منه

نجاسة الغائط
وأما نجاسة الغائط فحجته مع الإجماع قوله صلى الله عليه وسلم لعمار " إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمذي والقيء " رواه الإمام أحمد وخرجه الدارقطني والبراز 

نجاسة المذي
ويدخل في قول الشيخ المذي لأنه خارج من أحد السبيلين 
وحجة نجاسته حديث علي رضي الله عنه في قوله : " كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت المقداد فسأله فقال : يغسل ذكره ويتوضأ " رواه مسلم
والمذي أبيض رقيق لزج يخرج بلا شهوة عند الملاعبة والنظر 

نجاسة الودي
ويدخل في كلام الشيخ أيضا الودي وهو أبيض كدر ثخين يخرج عقب البول من مخرج البول 
ولا فرق في نجاسة ما خرج من السبيلين بين أن يكون معتادا كالبول والغائط ولا كالدم والقيح 
نعم يستثنى من ذلك الدود والحصاة وكل متصلب لم تحله المعدة فهو متنجس لا نجس وعنه احترز الشيخ بقوله مانع 

طهورية المني
وأما المني فهل هو نجس أم طاهر ؟ 
إن كان من الآدمي ففيه خلاف بين الأئمة 
[القول الأول]: وفي مذهبنا طاهر 
[القول الثاني]: والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة أنه نجس 
وحجتهما رواية الغسل ولفظها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المنيء ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب

الراجح
ومذهب الشافعي وأصحاب الحديث وذهب إليه خلق منهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين أنه طاهر وهو أصح الروايتين عن الإمام أحمد وبه قال داود 
ودليل هؤلاء رواية الفرك ولفظها قول عائشة رضي الله عنها " لقد رأيتني أفرك من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم المني فركا فيصلي فيه " ولو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره

ورواية الغسل محمولة على الندب واختيار النظافة جمعا بين الأدلة 
ولا فرق في ذلك بين مني الرجل والمرأة على المذهب 

وأما مني غير الآدمي فإن كان مني كلب أو خنزير أو فرع أحدهما فهو نجس بلا خلاف كأصلهما 
وأما ما عداهما من بقية الحيوانات ففيه خلاف 
الراجح عند الرافعي أنه نجس لأنه مستحيل فيي الباطن كالدم واستثنى مني الآدمي تكريما له 
والراجح عند النووي أنه طاهر وقال : إنه الأصح عند المحققين والأكثرين لأنه أصل حيوان طاهر فكان طاهرا كالآدمي وفي وجه أنه نجس من غير المأكول طاهر منه كاللبن والله أعلم 

قال :
وغسل جميع الأبوال والأرواث واجب إلا بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فإنه يطهر برش الماء عليه

حجة الوجوب حديث الأعرابي وغيره 

وأما كيفية الغسل 

فالنجاسة تارة 
  • تكون عينية أي تشاهد بالعين 
  • وتارة تكون حكمية أي حكمنا على المحل بنجاسته من غير أن ترى عين النجاسة 

النجاسة عينية 
فإن كانت النجاسة عينية فلا بد مع إزالة العين من محاولة إزالة ما وجد منها من طعم ولون وريح 
فإن بقي طعم النجاسة لم يطهر المحل المتنجس لأن بقاء الطعم يدل على بقاء النجاسة وصورته فيما إذا تنجس فمه 
وإن بقي الأثر مع الرائحة لم يطهر أيضا 
وإن بقي لون النجاسة وحده وهو غير عسر الإزالة لم يطهر وإن عسر كدم الحيض يصيب الثوب وربما لا يزول بعد المبالغة 
فالصحيح أنه يطهر للعسر وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر مثلا فيطهر المحل أيضا على الأظهر نعم الباقي من اللون والرائحة مع العسر طاهر على الصحيح وقيل نجس معفو عنه 

ولا يشترط في حصول الطهارة عصر الثوب على الراجح 
ثم شرط الطهارة أن يسكب الماء على المحل النجس فلو غمس الثوب ونحوه في طست فيه ﻣﺎء دون القلتين فالصحيح الذي قاله جمهور الأصحاب أنه لا يطهر لأنه بوصوله إلى الماء تنجس لقلته ويكفي أن يكون الماء غامرا للنجاسة على الصحيح وقيل يشترط أن يكون سبعة أضعاف البول 

النجاسة الحكمية 
وأما النجاسة الحكمية فيشترط فيها الغسل أيضا 
والحاصل أن الواجب في إزالة النجاسة غسلها المعتاد بحيث ينزل الماء بعد الحت والتحامل صافيا إلا في بول الصبي الذي لم يطعم ولم يشرب سوى اللبن فيكفي فيه الرش ولا بد في الرش من إصابة الماء جميع موضع البول وأن يغلب الماء على البول ولا يشترط في ذلك السيلان قطعا والسيلان والتقاطر هو الفارق بين الغسل والرش 

واعلم أنه لا يشترط في الغسل القصد كما لو صب الماء على ثوب لا يقصد فإنه يطهر وكذا إذا أصابه مطر أو سيل وادعى بعضهم الإجماع على ذلك لكن ابن الشريح والقفال من أصحابنا اشترطا النية في غسل النجاسة كالحدث وقد مر الفرق 

وقول الشيخ "إلا بول الصبي" احترز به عن الصبية فإنه لا يكفي في غسل بولها النضح بل يتعين الغسل على المذهب

ودليل الفرق [بين بول الصبي والجارية]
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " أتى بصبي يرضع فبال في حجره فدعا بماء فصبه عليه ولم يغسله " وفي رواية " فلم يزد على أن نضح بالماء " وفي رواية فرشه وفي رواية فنضحه عليه ولم يغسله وكلها صحيحة وفي رواية الترمذي " ينضح من بول الغلام ويرش من بول الجارية

وفرق بينهما من جهة المعنى بوجوه: 
  • منها أن بول الجارية يترشش فاحتيج فيه إلى الغسل بخلاف بول الصبي فإنه يقع في محل واحد 
  • ومنها أن بول الجارية ثخين أصفر منتن يلصق بالمحل بخلاف بول الصبي
  • قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد : وفرق بينهما بوجوه منها ما هو ركيك جدا لا يستحق أن يذكر وأقوى ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور من الإناث فيكثر حمل الصبي فناسب التخفيف بالنضح دفعا للعسر وهذا المعنى مفقود في الإناث فجرى الغسل فيهن على القياس والله أعلم 
قلت : وفيه نظر من جهة أنه لو كان كذلك لوقع الفرق بين الرجل والمرأة في الغسل فيرش من بولهما بالنسبة إلى المرأة والله أعلم 
وقول الشيخ "لم يأكل الطعام" أي ما لم يطعم ما يستقل به كالخبز ونحوه قاله ابن الرفعة 
وقال النووي في شرح مسلم : النضح إنما يجزي ما دام الصبي يقتصر على الرضاع وأما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف والله أعلم

ولا يعفى عن شيء من النجاسات إلا اليسير من الدم والقيح وما لا نفس له سائلة إذا وقع في الإناء ومات فإنه لا ينجسه القليل من الدم والقيح معفو عنه في الثوب والبدن وتصح الصلاة معه
وظاهر إطلاق الشيخ يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون منه أو من غيره ومسألة العفو عن النجاسات المعفو عنها نذكرها في محلها وهو عند ذكر شروط الصلاة وتأتي في كلام الشيخ هناك إن شاء الله تعالى 

[الميتة التي لا نفس لها سائلة]
وأما الميتة التي لا نفس لها سائلة أي لا دم لها يسيل كالذباب والبعوض والعقارب والخنافس والوزع على ما صححه النووي دون الحيات والضفادع ليس من ذلك إذا وقعت في إناء فيه مائع سواء كان ماء أو غيره من الأدهان كالزيت والسمن أو غيره كالطعام وماتت فيه فهل تنجسه ؟ فيه خلاف 
[القول الأول:] والمذهب عدم التنجيس لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " رواه البخاري وأبو داود وابن خزيمة
وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء 
ووجه الاستدلال: أن الغمس قد يفضي إلى الموت لا سيما إذا كان الطعام حارا فلو كان ينجس لم يأمر به
وأيضا: فصون الأواني عن هذه الحيوانات فيه عسر ومشقة فيعفى عن تنجيسها لذلك 
[القول الثاني:] وقيل تنجسه لأنها ميتة كسائر النجاسات قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا قال هذا القول غير الشافعي
[القول الثالث:] وفي قول آخر إن كان مما تعم به البلوى كالذباب ونحوه فلا ينجس 
وإن لم تعم كالخنافس والعقارب نجست وبهذا جزم القفال 
وهو متجه قوي لأن محل النص وهو الذباب فيه معنيان مشقة الاحتراز وعدم الدم السائل وهي علة مركبة فإذا فقد أحدهما انعدمت العلة إذ العلة المركبة تنعدم بعدم أحد جزأيها وهنا فقدت مشقة الاحتراز

واعلم أن الخلاف فيما إذا لم يتغير المائع فإن تغير بكثرة الميتة نجسته على الأصح 
ومحل الخلاف أيضا فيما إذا لم ينشأ في المائع فإن نشأ فيه كدود الخل ونحوه فإنه لا ينجسه بلا خلاف 
قال الشيخان في الرافعي والروضة : ويحل أكله معه لا منفردا ذكره النووي في باب الأطعمة 
ثم محل الخلاف أيضا فيما إذا وقعت الميتة التي لا نفس لها سائلة بنفسها في المائع أما إذا طرحت فإنه يضر جزم به الرافعي في الشرح الصغير وبه أجاب في الحاوي الصغير 

واعلم أن كل رطب في معنى الإناء حتى لو كان ثوب رطب أو فاكهة فهو كالمائع في ذلك 
واعلم أيضا أن النجاسة التي لا يدركها الطرف أي لا تشاهد بالبصر لقلتها كنقطة البول وما يعلق برجل الذبابة من النجاسة حكمه في عدم التنجس حكم الميتة التي لا نفس لها سائلة على الراجح عند النووي لأنه يتعذر الاحتراز عن ذلك فأشبه دم البراغيث 
وقال الرافعي : إنها تنجس ويستثنى مع ذلك مسائل ذكرناها في كتاب الطهارة والله أعلم


01-11-2012

والحيوان كله طاهر إلا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما

الأصل في الحيوانات الطهارة لأنها مخلوقة لمنافع العباد ولا يحصل الانتفاع الكامل إلا بالطهارة 
واستمر مالك رضي الله تعالى عنه على ذلك واستثنى الشافعي ومن نحا نحوه الكلب والخنزير وفرع أحدهما 
واحتج له بمفهوم حديث الهرة وأنها ليست بنجسة وهو حديث حسن صحيح 
وبقوله صلى الله عليه وسلم : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب " [رواه مسلم]
وجه الدلالة: أن الطهور معناه المطهر والتطهير لا يكون إلا عن حدث أو نجس ولا حدث على الإناء فتعين النجس 
وأما نجاسة الخنزير فاحتج لنجاسته بأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه لا يجوز الانتفاع به 
وهذا غير مسلم لأن الحشرات كذلك وهي طاهرة 
ونقل ابن المنذر الإجماع على نجاسته وفيه نظر لأنه حكى عن مالك وأحمد طهارته 
ولهذا قال النووي : إن دلالة نجاسته ضعيفة 
واحتج الماوردي بقوله تعالى : { أو لحم خنزير فإنه رجس } والمراد جملة الخنزير لأن لحمه دخل في عموم الميتة 
وأما ما تولد منهما لأنهما أصله أو من أحدهما بين حيوان طاهر فنجس تغليبا للنجاسة 
وكلام الشيخ يشمل طهارة بقية الحيوانات حتى الدود المتولد من النجاسة وهو كذلك 
وفي وجه أنه نجس كأصله قال الرافعي : وهو ساقط والله أعلم

قال :
 

والميتة كلها نجسة إلا السمك والجراد وابن آدم

الميتات كلها نجسة لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } وتحريم ما لا حرمة له ولا ضرورة في أكله يدل على نجاسته 
لأن الشيء إنما يحرم إما لحرمته 
أو لضرره 
أو نجاسته 
"والميتة" كل من مات حتف أنفه، واختل فيه شرط من شروط التذكية، كذبيحة لمجوسي والمحرَم وما ذبح بطعن أو نحوه وكذا ذبح ما لا يؤكل 
ضابطه أن تقول "الميتة": ما الت حياته بغير ذكاة شرعية 
ويستثنى من الميتات السمك والجراد 
أما السمك فلقوله عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " حديث صحيح 
وأما الجراد فلقوله صلى الله عليه وسلم : " أحلت لنا ميتتان السمك والجراد " رواه بن ماجه بإسناد ضعيف نعم رواه البيهقي موقوفا على عمر رضي الله عنه وقال : إنه صحيح وحكمه حكم المرفوع 

ويستثنى الآدمي أيضا فإنه لا ينجس بالموت على الراجح مسلما كان أو كافرا 
  • لقوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم } وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته 
  • وقال عليه الصلاة والسلام : " لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي : إسناده على شرط الشيخين
  • وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وهو جنب : " سبحان الله إن المؤمن لا ينجس " وهو يعم المسلم والذمي 
وقيل ينجس بالموت لأنه حيوان طاهر في الحياة غير مأكول بعد الموت فينجس كغيره 

واستثنى أيضا الجنين الذي يوجد ميتا عند ذبح أمه فإنه طاهر حلال 
وكذا الصيد أيضا إذا مات بالضغطة أي باللطمة فإنه يحل في أصح القولين 
وكذا البعير الناد إذا مات بالسهم في غير المنحر فإنه يحل والجواب أن هذه ذكاة شرعية


قال :
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب والخنزير سبع مرات إحداهن بالتراب ويغسل من سائر النجاسات مرة واحدة تأتي عليه والثلاث أفضل
أما الكلب فلقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات " رواه مسلم 
وفي رواية أخرى له طهور " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " وفي رواية له : " فاغسلوا سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب " "والولوغ" في اللغة الشرب بأطراف اللسان 
وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالغسل وظاهره الوجوب 
وقوله صلى الله عليه وسلم " طهور " يدل على التطهير والطهارة تكون عن حدث وعن نجس ولا حدث هنا فتعين النجس 
فإن قيل المراد هنا الطهارة اللغوية فالجواب أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مقدم على الحقيقة اللغوية مع أنه صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات 
وفي الحديث دلالة على نجاسة ما ولغ فيه الكلب وإن كان طعاما مائعا حرم أكله لأن إراقته إضاعة مال فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته مع أنا قد نهينا عن إضاعة المال 
ثم لا فرق بين أن يتنجس بولوغه أو بوله أو دمه أو عرقه أو شعره أو غير ذلك من جميع أجزائه وفضلاته فإنه يغسل سبعا إحداهن بالتراب 

قال النووي في الروضة : وفي وجه شاذ أنه يكفي في غسل ما سوى الولوغ مرة كغسل سائر النجاسات وهذا الوجه قال في شرح المهذب : إنه متجه وقوي من حيث الدليل لأن الأمر بالغسل سبعا إنما كان لينفرهم عن مؤاكلة الكلاب


15-11-2012
وهل يغسل من الخنزير كالكلب أم لا ؟ قولان :
[القول الأول:] الجديد وبه قطع بعضهم نعم لأنه نجس العين فكان كالكلب بل أولى لأنه لا يجوز اقتناؤه بحال
[القول الثاني:] وقال في القديم : إنه يغسل مرة كسائر النجاسات لأن التغليظ في الكلاب إنما ورد 
قطعا لهم عما يعتادونه من مخالطتها وزجرا كالحد في الخمر
الراجح
وهذا القول رجحه النووي في شرح المهذب ولفظه الراجح من حيث الدليل أنه يكفي غسله واحدة بلا تراب وبه قطع أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير وهذا هو المختار لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد وذكر مثل هذا في شرح لوسيط أيضا
[قال الشيخ العثيمين: الخنزير: حيوان معروف بفَقْدِ الغِيرة، والخُبث، وأكل العَذِرة، وفي لحمه مكروبات ضارَّة قيل إن النَّار لا تؤثِّر في قتلها، ولذا حَرَّمه الشَّارع.
والفقهاء ـ رحمهم الله ـ ألحقوا نجاسته بنجاسة الكلب لأنه أخبث من الكلب، فيكون أوْلى بالحكْم منه.
وهذا قياس ضعيف، لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ، ولم يَرِدْ إلحاقه بالكلب.
فالصَّحيح أن نجاسته كنجاسة غيره فتُغسل كما تُغسل بقية النَّجاسات.]


وهل يقوم الصابون والأشان[kalium karbonat] مقام التراب ؟ فيه أقوال :
[القول الأول:] أحدها نعم كما يقوم غير الحجر مقامه في الإستنجاء وكما يقوم غير الشب والقرظ في الدباغ مقامه وهذا ما صححه النووي في كتابه رؤوس المسائل 
[القول الثاني:] والأظهر في الرافعي والروضة وشرح المهذب أنه لا يقوم لأنها طهارة متعلقة بالتراب فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم 
[والقول الثالث:] إن وجد التراب لم يقم وإلا قام وقيل يقوم فيما يفسده التراب كالثياب دون الأواني 

وشرط التراب أن يكون طاهرا فلا يكفي النجس على الراجح كالتيمم نعم الأرض الترابية يكفي فيها الماء على الراجح إذ لا معنى لتعفير التراب ولا يكفي في استعمال التراب ذره على المحل بل لا بد من مزجه بالماء ليصل التراب بواسطة المزج إلى جميع أجزاء المحل النجس

[قال الشيخ العثيمين: قوله: "أشنانٌ". هو شجر يُدَقُّ ويكون حبيبات كحبيبات السُّكَّر أو أصغر، تغسل به الثِّياب سابقاً، وهو خشن كخشونة التُّراب، ومنظِّف، ومزيل، ولهذا قال المؤلِّف: يجزئ عن التُّراب في نجاسة الكلب.
وهذا فيه نظر لما يلي:

  1. أن الشارع نَصَّ على التُّراب، فالواجب اتِّباع النَّصِّ.
  2. أن السِدْر والأشنان كانت موجودة في عهد النبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ ، ولم يُشرْ إليهما.
  3. لعل في التُّراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب. 
  4. أن التراب أحد الطهورين، لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمُّم إذا عُدِم. قال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ـ: "وجُعِلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً"(1) فرُبَّما كان للشَّارع ملاحظات في التُّراب فاختاره على غيره لكونه أحد الطَّهورين، وليس كذلك الأشنان وغيره، 
فالصَّحيح: أنه لا يجزئ عن التُّراب، لكن لو فُرض عدم وجود التُّراب ـ وهذا احتمال بعيد ـ فإن استعمال الأشنان، أو الصَّابون خير من عَدَمه.]

فرع : هل يكفي الرمل الناعم 
قال الإسنائي : أدخل الأصحاب الرمل الناعم في اسم التراب وجوزوا التيمم به قال النووي في فتاويه : لو سحق الرمل وتيمم به جاز ومقتضاه اجزاؤه في التعفير لأن التراب إما للاستظهار أو للجمع بين نوعي الطهور أو للتعبد بإطلاق الاسم وكل ذلك موجود هنا والله أعلم

فرع :لو ولغ في الإناء كلاب أو كلب مرات ففيه خلاف 
الراجح يكفي سبع 
ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى سبع 
ولو كانت نجاسة الكلب عينية فلم تزل إلا بثلاث غسلات مثلا حسبت واحدة على الصحيح 
ولو ولغ في شيء نجسه فأصاب ذلك شيئا آخر نجسه ووجب غسل ذلك الآخر سبعا 
ولو ولغ في شيء نجسه فأصاب ذلك شيئا آخر نجسه ووجب غسل ذلك الآخر سبعا 
ولو ولغ في طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وبقي الباقي على طهارته 
ولو أدخل كلب رأسه فب إناء فيه ماء ولم يعلم هل ولغ فيه أم لا فإن أخرج فمه يابسا لم يحكم بالنجاسة وكذا إن أخرجه رطبا على الراجح لأن الأصل عدم الولوغ وبقاء الماء على الطهارة ورطوبة فمه يحتمل أنها من لعابه فلا يطرح الأصل بالشك والله أعلم 



وقول الشيخ "إحداهن بالتراب" يقتضي الإكتفاء في التعفير بغير الأولى والأخيرة 
قال في أصل الروضة : ويستحب أن يكون التراب في غير السابعة، والأولى أولى 

قال الإسنائي : وجواز التعفير في غير الأولى والأخيرة مردود دليلا ونقلا : 

أما الدليل 
  • فلأن الروايات أربع "أولاهن" وهي في مسلم 
  • [والرواية الثانية] "والثانية [بالتراب]" "والسابعة بالتراب" رواها أبو داود وهي معنى رواية مسلم "وعفروه الثامنة بالتراب" وسميت ثامنة باعتبار استعمال التراب 
  • والرواية الثالثة "أولاهن" أو "أخراهن بالتراب" رواها الدارقطني بإسناد صحيح كما قاله في شرح المهذب 
  • و[الرواية] الرابعة "إحداهن" قاله في شرح المهذب ولم تثبت وقال في فتاويه : إنها ثابتة، 
فعلى تقدير ثبوتها هي مطلقة وقيدت بالأولى أو الأخرى فلا يجوز العدول إلى غيرهما لاتفاق 
وأما النقل [من الشافعية] فقد نص الشافعي على تعيين الأولى أو الأخيرة في البويطي وكذا في الأم وأخذ بهذا النص جماعة من الأصحاب منهم الزبيدي والمرعشي وابن جابر فثبت أن هذا مذهب الشافعي وأنه الصواب
من جهة الدليل والنقل فتعين الأخذ به والله أعلم 
وقول الشيخ "ويغسل من سائر النجاسات مرة" : قد مر دليله وكيفية الغسل 
وقوله : "والثلاث أفضل" لأن ذلك إزالة نجس فيستحب التثليث فيها كالأحداث 
ولأن ذلك مستحب عند الشك في النجاسة فعند تحققها أولى، وهذا فيما إذا زالت النجاسة بالغسلة الواحدة على ما مر 
أما إذا لم تزل إلا بالثلاثة وجبت الثلاثة ويستحب بعد ذلك ثانية وثالثة [بعد الثالثة] والله أعلم

مسألة الماء الذي يغسل به النجاسة ويعبر عنه بالغسالة هل هو طاهر أم نجس أم كيف الحال؟ 
ينظر إن تغير بعض أوصافها بالنجاسة فنجسه قطعا وإن لم تتغير فإن كانت قلتين 
قال الرافعي : فطاهرة بلا خلاف 
قال النووي : طاهرة ومطهرة على المذهب 
وإن كانت دون القلتين ففيه خلاف والجديد الأظهر أن حكمها حكم المحل بعد الغسل إن كان نجسا فنجسه وإن كان طاهرا فطاهرة غير مطهرة 

فلو وقع من غسالة الكلب شيء على شيء : فإن كان من الغسلة الأولى غسل ما وقع عليه ستا ويعفر إن لم يكن الطراب في الأولى  وإن وقع من السابعة شيءا لم يغسله ولو لم تتغير الغسالة ولكن زاد وزنها فطريقتان أحدهما القطع بالنجاسة والثانية على الخلاف وهذا كله في غسالة استعملت في واجب الطهارة 
أما الماء المستعمل في مندوبها كالثانية والثالثة فطاهر قطعا ومطهر على المذهب والله أعلم 

قال :
"وإذا تخللت الخمرة بنفسها طهرت وإن خللت بطرح شيء فيها لم تطهر"
اعلم أن تطهير الأشياء تارة يكون بالغسل وقد مر وقد يكون بالإستحالة 
ومعنى الاستحالة انقلاب الشيء من صفة إلى أخرى، فإذا تخللت الخمرة أي انقلبت بنفسها سواء كانت محترمة أم غير محترمة طهرت 
  • لأن النجاسة والتحريم إنما كانا لأجل الإسكار وقد زال 
  • ولأن العصير لا يتخلل إلا بعد التخمر فلو لم نقل بالطهارة لتعذر اتخاذ الخل 
قال النووي في شرح مسلم : وأجمعوا على أنها إذا انقلبت بنفسها خلا طهرت 
وحكي عن سحنون أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله 
وإن خللت بطرح شيء فيها من بصل أو خميرة أو غير ذلك لم تطهر، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدا لا بغسل ولا بغيره 
واحتج لذلك: 
بأنه عليه الصلاة والسلام : " سئل عن الخمر يتخذ خلا فقال : لا " رواه مسلم 
واحتج لتحريم التخليل أيضا بأن أبا طلحة رضي الله عنه أسلم وعنده خمر لأيتام " فقال : يارسول الله أخللها قال : لا أهرقها " 
ولأنه استعجل الخل بفعل محرم فحرم كما لو قتل مورثه لاستعجال الإرث فإنه لا يرثه معاملة له بنقيض مقصوده 
وإن خللت لا بطرح شيء فيها بأن نقلت من شمس إلى ظل أو عكسه فإنها تطهر على الراجح 
وكذا لو فتح الوعاء حتى دخل الهواء 
والفرق بين هذا وبين ما إذا طرح فيها شيء أو وقع بنفسه أن الواقع ينجس بالخمرة فإذا استحالت خلا تنجست بالعين الحاصلة فيها ولا يطهر النجس إلا الماء والله أعلم

فائدة : الخمر اسم للمسكر من ماء العنب عند الأكثرين ولا يطلق على غيره إلا مجازا كذا الرافعي في باب حد الخمر 
ومقتضاه أن النبيذ لا يطهر بالتخلل وبه صرح القاضي أبو الطيب ونقله عنه ابن الرفعة وأقره على ذلك 
لكن ذكر البغوي أنه لو ألقى الماء في عصير العنب حالة عصره لم يضره بلا خلاف لأنه من ضرورته بخلاف البصل ونحوه وما ذكره يدل على طهارة النبيذ بطريق الأولى والله أعلم 
وقد ألحق بعضهم بالخمر العلقة إذا استحالت فصارت آدميا والبيضة المذرة إذا صارت فرخا ودم الظبية إذا صارت مسكا والميتة إذا صارت دودا وفي الإلحاق نظر والله أعلم

[ وسُئل فضيلة الشيخ [العثيمين]: هل الخمر نجسة وكذلك الكولونيا؟
فأجاب ـ حفظه الله تعالى ـ بقوله : هذه المسألة وهي نجاسة الخمر، إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية ، فإن العلماء مجمعون على ذلك ، فإن الخمر نجس وخبيث، ومن أعمال الشيطان؛ وإن أريد بها النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على إنها نجسة ، يحب التنزة منها وغسل ما أصابته من ثوب أو بدن ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية بل أن نجاستها معنوية عملية . 

فالذين قالوا : إنها نجسة نجاسة حسية ومعنوية استدلوا 
  • بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[سورة المائدة ، الآية :91]. والرجس هو النجس ، لقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)[ سورة الأنعام ، الآية : 145]
  • ولحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس ، فالرجس في الآية والحديث بمعنى النجس نجاسة حسية، فكذلك هي في آية الخمر رجس نجس نجاسة حسية .
وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارة حسية، أي أن الخمر نجس نجاسة معنوية لا حسية، فقالوا : 
  • إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس بقوله : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)[سورة المائدة ، الآية :90].فهو رجس عملي وليس رجسا عينيا ذاتيا، بدليل أنه قال: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ)[سورة المائدة ، الآية :91]. ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية، فقرن هذه الأربعة: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصف واحد الأصل أن تتفق فيه ، فإذا كانت الثلاثة نجاستها نجاسة معنوية، فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان.
  • وقالوا أيضا : إنه ثبت أنه لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم ولا يجوز .
  • وقالوا أيضا : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما حرمت الخمر ، لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت .
  • وقالوا أيضا : قد ثبت في صحيح مسلم أن رجلا أتى براوية من خمرإلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه، فقال الرسول عليه الصلاة و السلام:(أما علمت أنها قد حرمت) ثم سارة رجل أي كلم صاحب الراوية رجل بكلام سر فقال : ( ماذا قلت ؟ ) قال : قلت: يبيعها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ) . فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر ، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها منه ، ولا منعه من إراقتها هناك،
  • قالوا : فهذا دليل على أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية ، ولو كانت حسية لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية ونهاه عن إراقتها هناك .
  • وقالوا أيضا ، الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليل بين يدل على النجاسة، وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة ، فإن الأصل أنه طاهر ، لكنه خبيث من الناحية العملية المعنوية ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسا، ألا ترى أن السم حراما وليس بنجس، فكل نجس حرام وليس كل حرام نجسا .
  • وبناء على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها : إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرناه أدلته، فتكون الكولونيا وشبهها ليست بنجسة أيضا ، وإذا لم تكن نجسة فإنه لا يجب تطهير الثياب منها .
ولكن يبقى النظر : هل يحرم استعمال الكولونيا كطيب يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟
لننظر ، يقول الله تعالى في الخمر : ( فاجتنبوه) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شربا أو استعمالا أو ما أشبه ذلك ، فالله أمر أمرا مطلقا بالاجتناب ، فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب أو نقول : إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه، لقوله تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[ سورة المائدة ، الآية : 91].وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان في غير الشرب. 
ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب، وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، 

إلا أننا نرجع مرة ثانية إلى هذه الأطياب ، هل النسبة التي تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار؟ لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه، فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به، لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم ، إذ أن علة الحكم هي الموجبة له، فإذا فقدت العلة فقد الحكم ، فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ، ويكون الشيء مباحا، فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلا من شربه ، فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر، كما أنه لو سقطت قطرة من بول في ماء، ولم يتغير بها، فإنه يكون طاهرا ، فكذلك إذا سقطت قطرة من خمر في شيء لم يتأثر بها ، فإنه لا يكون خمرا، وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر .
ثم إنني أنبه هنا على مسألة تشتبه على بعض الطلبة، وهي أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) . يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراما ، وليس هذا معنى الحديث ، بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثر منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراما، مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شرب منه الإنسان عشر زجاجات سكر، وإن شرب زجاجة لم يسكر، فإن هذه الزجاجة وإن لم تسكره تكون حراما، هذا معنى : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ). وليس المعنى ما أختلط به شيء من المسكر فهو حرام، لأنه إذا اختلط المسكر بالشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالا ، لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم، فينبغي أن يتنبه لذلك .
ولكني مع هذا لا أستعمل هذه الأ طياب (الكولونيا) ولا أنهى عنها، إلا إذا أنه أصابني شيء من الجروح أو شبهها واحتجت إلى ذلك فإني أستعمله لأن الاشتباه يزول حكمه مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه، فإن الحاجة أمر يدعو إلى الفعل ، والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئا احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه، وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتاج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه. والله أعلم .]