Pages

Sunday, January 29, 2012

Macam-Macam Kekafiran dalam Islam

قال شارح الطاحوية: أن الشارع قد سمى بعض الذنوب كفرا، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(3). وقال صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»، و «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر - فقد باء بها أحدهما». متفق عليهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف. وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد». وقال صلى الله عليه وسلم: «بين المسلم وبين الكفر ترك الصلاة». رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنا فصدقه، أو أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد». وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر». رواه الحاكم بهذا اللفظ. وقال صلى الله عليه وسلم: «ثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطعن في الأنساب، والنياحة على الميت». ونظائر ذلك كثيرة.
والجواب: أن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرا ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفرا ينقل عن الملة لكان مرتدا [يقتل](1) على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام.
ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة، فإن قولهم باطل أيضا؛ إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}(2) إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}(3). فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخا لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب. وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}(4) إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(5).
ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل، بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه، ثم ألقي في النار». أخرجاه في الصحيحين.
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه. وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا: المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار، قال:"المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال، فيأتي وقد شتم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا، فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار». رواه مسلم.
وقد قال تعالى: {إِنَّ}{الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}(6). فدل ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته. وهذا مبسوط في موضعه.
والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، قالت الخوارج: نسميه كافرا، وقالت المعتزلة: نسميه فاسقا، فالخلاف بينهم لفظي فقط.
وأهل السنة أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب، كما وردت به النصوص. لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر طاعة! وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة -: تبين لك فساد القولين! ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى.
ثم بعد هذا الاتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا خلافا لفظيا، لا يترتب عليه فساد، وهو: أنه هل يكون الكفر على مراتب، كفرا دون كفر ؟ كما اختلفوا: هل يكون الإيمان على مراتب، إيمانا دون إيمان ؟ وهذا اختلاف نشأ من اختلافهم في مسمى"الإيمان": هل هو قول وعمل يزيد وينقص، أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أن من سماه الله تعالى ورسوله كافرا نسميه كافرا، إذ من الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا، ويسمي رسوله من تقدم ذكره كافرا - ولا نطلق عليهما اسم"الكفر". ولكن من قال: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص- قال: هو كفر عملي لا اعتقادي، والكفر عنده على مراتب، كفر دون كفر، كالإيمان عنده.
ومن قال: إن الإيمان هو التصديق، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان، والكفر هو الجحود، ولا يزيدان ولا ينقصان - قال: هو كفر مجازي غير حقيقي، إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة. وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}(1) أي صلاتكم إلى بيت المقدس، إنها سميت إيمانا مجازا، لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان، إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمنا. ولهذا يحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا. فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب، إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد. ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج والمعتزلة. ولكن أردأ ما في ذلك التعصب على من يضادهم، وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه، والتشنيع عليه! وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن، فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف ؟ ! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(2) الآية.
وهنا أمر يجب أن يتفطن له، وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة، ويكون كفرا: إما مجازيا، وإما كفرا أصغر، على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم: فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم [الله](3). - فهذا كفر أكبر(4). وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافرا كفرا مجازيا، أو كفرا أصغر. وإن جهل حكم الله فيها، مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأ، فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور.

1/205-206

Macam-macam Ibadah

قال الشيخ عثيمين في شرح الأصول الثلاثة 56-57


الخوف 








Saturday, January 28, 2012

التَّعَقُّبُ السَّدِيدُ لِكِتَابِ القَوْلِ المفيدِ في أدلةِ التَّوْحِيدِ للشيخ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهابِ الوَصَّابِي

التَّعَقُّبُ السَّدِيدُ لِكِتَابِ القَوْلِ المفيدِ في أدلةِ التَّوْحِيدِ للشيخ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهابِ الوَصَّابِي


كَتَبَهَا وليدُ بنُ حُسْنِي بنِ بَدَوِي بنِ مُحَمَّدٍ الأمويُّ عفا الله عنه


مُقَدِّمَةٌ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء : 1 ] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب : 70 ، 71 ] .


أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن عساكر (رحمه الله): " يجب علي المسلمين في جميع أدوار بقائهم أن يتفرغ منهم جماعة لتتبع أنواع الآراء السائدة في طوائف البشر والعلوم المنتشرة بينهم وفحص كل ما يمكن أن يأتي من قبله ضرر المسلمين لا سيما في المعتقد الذي لا يزال ينبوع كل خير ...." اهـ


ولم تزل جادة أهل العلم ترك تعقب مصنفات العلماء - التي قلت مواطن الزلل فيها لئلا يكون ذلك باعثاً لطالبي النفع منها إلي العدول عنها إلي غيرها مما هو أقل نفعاً وأكثر ضرراً وأسوأ في العاقبة وأبتر من الفائدة .


وتلك سجية محمودة ومنقبة مقبولة وجادة ذليلة وقاعدة جليلة لتحصين كتب أهل العلم من أن يتجرأ عليها من يحسن ومن لا يحسن أو يتلاعب بها أهل الريبة والظنة وسوء الخبيئة والطوية ولكن لما رأيت النفع الجليل والزلل القليل كلاهما متعيناً في كتاب (القول المفيد في أدلة التوحيد) رجوت أن يبين أحدهما عن الآخر وأن يظل اولهما دون الثاني رغبة في بقاء نفعه غير مكدر بشوائب الزلل فتعقبت ذلك الكتاب النافع الذي قرظه جمع من أهل العلم معتمداً في ذلك طبعة مكتبة الإرشاد اليمنية (الطبعة الأولى:1427هـ) وهي الطبعة السابعة للكتاب.


وعليه تقاريظ جملة من أهل العلم وهم([1]):
§ أحمد بن أحمد سلامة.
§ محمد بن سعيد الشيباني.
§ محمد بن علي مكرم الطسي.
§ مقبل بن هادي الوادعي.
§ محمد بن إسماعيل العمراني.
§ عبد الله الوظاف الشرفي.
§ أحمد بن يحيي النجمي.
هذا وإلى الله المشتكى، وهو المستعان، وبه المستغاث، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


التَّعَقُّبُ الأوَّلُ
ص32: قال:" الثامن (أي من شروط الإيمان بلا إله إلا الله): الكفر بالطواغيت وهي المعبودات من دون الله" انتهى.





قلت: تعريف الطاغوت أعمُّ من ذلك، ويشمل أنواعًا أخرى غيرالمعبودات من دون الله، وذكر هذه الأنواع أنسبُ من تركه لا سيما وقد ذكر المؤلف الطاغوت مجموعًا فقال:(الكفر بالطواغيت).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعد كلام كثير في معنى الطاغوت، وذكرِ أقوالِ العلماءِ فيه([2]):" فتحصل من مجموع كلامهم رحمهم الله: أن اسم الطاغوت، يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال، يدعو إلى الباطل، ويحسنه؛ ويشمل أيضاً: كل من نصبه الناس، للحكم بينهم، بأحكام الجاهلية، المضادة لحكم الله، ورسوله؛ ويشمل أيضاً: الكاهن، والساحر، وسدنة الأوثان، الداعين إلى عبادة المقبورين، وغيرهم"انتهى


التَّعَقُّبُ الثاني
ص : 37 قوله في شروط ( شهادة أن محمداً رسول الله ) :"الشرط الخامس: محبته أشد من محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين ....ثم ساق حديث أنس وأبي هريرة وعبد الله بن هشام رضي الله عنهم".انتهى





جعل المصنف ذلك الشرط ( محبته أشد من محبة النفس ....إلخ) قريناً لشرط (الاعتراف برسالته واعتقادها ...) ونحوه وليس الأمر كذلك فشرط الاعتراف برسالته ونحوه لا ينعقد الإيمان إلا به بخلاف شرط (محبته أكثر من النفس والولد والوالد) وعمر (رضي الله عنه) عند قوله (لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء الا من نفسي ) كان مؤمناً بالاتفاق، لا يقال: كان واقعًا في الكفر معذورًا بالجهل.
وإنما ذلك الشرط الذي وضعه المصنف هو شرط لتحقيق الإيمان الواجب لا أصل الإيمان.
قال الخطابي([3]): " حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وانما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتداً به إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول ففيه سوء أدب في العبارة وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفي بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره الحديث الثامن والتاسع " انتهى


وقال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ([4]) " قوله لا يؤمن أحدكم أي لا يحصل له الايمان الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول أحب"انتهى


وقال([5]):" وفيه أن الأعمال من الإيمان لأن المحبة عمل وقد نفي الإيمان عمن لم يكن الرسول صلى الله عليه و سلم أحب إليه مما ذكر فدل على ذلك. وفيه أن نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام"انتهى


وقال الشيخ العثيمين في القول المفيد:" قوله في حديث أنس : " لا يؤمن " . هذا نفي للإيمان ، ونفي الإيمان تارة يراد به نفي الكمال الواجب ، وتارة يراد به نفي الوجود ، أي : نفي الأصل .


والمنفي في هذا الحديث هو كمال الإيمان الواجب ، إلا إذا خلا القلب من محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إطلاقاً ، فلا شك أن هذا نفي لأصل الإيمان"انتهى


ورحم الله الإمام ابن القيم القائل في حق النبي صلى الله عليه وسلم:
ورسولُهُ فهو المطاعُ وقولُه المـ ... ـقبولُ إذ هو صاحبُ البرهانِ
والأمرُ منه الحتمُ لا تخييرَ فيـ ... ـهِ عند ذي عقلٍ وذي إيمانِ
من قال قولًا غيرَهُ قمنا على ... أقوالِهِ بالسَّبْرِ والميزانِ
إن وافقت قولَ الرسولِ وحكمَهُ ... فعلى الرؤوسِ تُشَالُ كالتيجانِ
أو خالفت هذا رددناها على ... من قالها من كان من إنسانِ
أو أشكلت عنا توقفنا ولم ... نجزمْ بلا علمٍ ولا برهانِ
هذا الذي أدى اليه علمُنا ... وبه ندينُ الله كلَّ أوانِ
فهو المطاعُ وأمرُهُ العالي على ... أمرِ الورى وأوامرِ السُّلطانِ
وهو المقدمُ في محبتِنا على الـ ... أهلينَ والأزواجِ والولدانِ
وعلى العبادِ جميعِهم حتى على النـ ... فسِ التي قد ضمَّها الجنبانِ


التَّعَقُّبُ الثَّالِثُ
ص : 45 قوله ( نواقض الإسلام عشرة ) اهـ
وقوله ( الناقض الثاني : الردة عن الإسلام مختارًا ....)انتهى.





قلت : الأولى أن يقول ( نواقض الإسلام العشرة ) أو ( من نواقض الإسلام ) ثم يسوق العشرة المشهورة ؛ قال الشيخ العلامة ابن باز : " ومن أخطرها وأكثرها وقوعاً عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعاً " اهـ


وقال الإمام المجدد([6]) :" اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة " اهـ
والأولى في الناقض الثاني أن يقول : ( الردة عن الإسلام غير مكره ) اهـ بدلاً من كلمة ( مختاراً ) لأنها أدق وأحرز قال الإمام المجدد :" ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره " اهـ


ولأن قوله(مختارًا) يوهم قليل الفطنة أنه يشترط في وقوع الكفر على فاعله اختيار الكفر، وهذا غير صحيح فالمرء الفاعل للكفر يقع عليه الكفر ما دام مختارًا للفعل.




التَّعَقُّبُ الرَّابِعُ
ص : 49 قوله:( الناقض السادس: من استهزأ بالله أو الرسول أو القرآن .......أو اللحية أو السنة النبوية إلي غير ذلك من شعائر الله والمقدسات الإسلامية فهو كافر) انتهى





قلت : الأولى حذف كلمة(اللحية) من السياق لأمرين:
الأول: أنها عين لا يتعلق التكفير بها؛ لأنها لا تدخل في الأعيان التي يعلق الكفر على الاستهزاء بها كالمصحف والكعبة ونحوهما.
إنما يتعلق الكفر بالاستهزاء بالواجب الشرعي الذي هو إعفاء اللحية، فيكفر المرء إذا استهزأ بإعفاء اللحية من جهة كونه واجبًا شرعيًا صحت به الأخبار عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما إذا استهزأ باللحية لكونها فاحشة الطول(لا سيما إذا كان ممن يرون وجوب الأخذ منها بعد حد القبضة)، أو لشعثها وعدم نظافتها، فهذا لا يكون كافرًا قطعًا.
ونحو هذا الاستهزاء قول بعضهم: الدين ليس في الشعر، ودخول الجنة لا يتوقف على شعر يحلق أو يترك. هذا كله من الأقوال النابية والعبارات الفجة والأمور غير المرضية. وإن كان التكفير بها محل نظر ومحط تأمل.
الثاني: أن إعفاء اللحية فيه شبهة من جهة حكمه يروج كثير من الجهال ألا وهي أنه مستحب وليس بواجب وهذا خلاف الأدلة الثابتة الصحيحة، بل حكى على الوجوب الإجماع، حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع.
ولا يخفى ان تكفير المستهزئ بالمستحبات يحتاج إلى روية وتأمل، وهذا مدخل للشبهات التي تدرأ بها الحدود، فكيف بالكفر المخرج عن الملة. فالأولى بصاحب الكتاب أن يترك هذه العبارات المشكلة الموهمة المحتملة.
وأما قوله(المقدسات الإسلامية) فهو كلام مبهم مجمل غير مبين ومشكل غير موضح، فإن كان يريد بالمقدسات الإسلامية الكعبة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ونحوهما فقوله صادق صحيح. وإلا فإن ذلك اللفظ المخصوص(المقدسات الإسلامية) يطلق فينزله أهل الأهواء على أماكن ما أنزل الله في فضلها سلطانًا كأضرحة الأولياء وقبور الصالحين وساحات الشرك ومقامات الرافضة والمتصوفة، هذه جميعها يعتقد كثير من الجهلة والطغام قداستها الدينية وطهارتها الشرعية.
وهذا اللفظ لم يطلقه عالم راسخ من علماء السنة فيما أعلم.




التَّعَقُّبُ الخَامسُ
ص : 62 قوله ( المؤمنون قسمان : 1 – سابقون وهم المقربون .
2 – أصحاب اليمين، وهم الأبرار ) انتهى.
وفي ص92: قال:"والناس ينقسمون في هذه الدور الثلاث إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم ينقسم إلى أقسام! وهم: 1- مؤمنون، وهم قسمان...."انتهى.





قلت: وهذا غير دقيق، والأدق أن يقول إنهم ثلاثة أقسام: السابقون بالخيرات، والمقتصدون، والظالمون لأنفسهم.
قال تعالى:{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}(فاطر:32).


وقال ابن عباس في تأويل(الذين اصطفينا)، قال([7]): هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وَرَّثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يُغْفَر له،ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
ولعل المصنف استنبط مذهبه الآنف الذكر من قوله تعالى:{ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً* فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}(الواقعة7-10).


فجعل الله تعالى الناس في الآخرة ثلاثة أزواج: السابقون وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. فتعين أن المؤمنين صنفان فحسب. وهذا غلط.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية([8]):" وهكذا جاء القرآن فجعل الأمة على هذه الأصناف الثلاثة قال تعالى{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فالمسلم الذى لم يقم بواجب الايمان هو الظالم لنفسه والمقتصد هو المؤمن المطلق الذى أدى الواجب وترك المحرم والسابق بالخيرات هو المحسن الذى عبد الله كأنه يراه وقد ذكر الله سبحانه تقسيم الناس فى المعاد الى هذه الثلاثة فى سورة الواقعة والمطففين و هل أتى وذكر الكفار ايضا وأما هنا فجعل التقسيم للمصطفين من عباده"انتهى.


والمؤلف عفا الله عنه حصر المؤمنين في من يصح أن يقال فيهم أولياء الله تعالى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية([9]):" وهذا الحديث قد بين فيه أولياء الله المقتصدين أصحاب اليمين والمقربين السابقين"انتهى.


وقال([10]):" فقد بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أولياء الله نوعان: المقرَّبون السابقون، والأبرار أصحاب اليمين، هم الذين تقرَّبوا إليه بالنوافل بعد الفرائض"انتهى.




التَّعَقُّبُ السَّادِسُ
ص : 76 قوله ( اعلم أخي المسلم ثبتني الله وإياك علي الحق أن التوحيد ينقسم إلي أربعة أقسام وهي :1 – توحيد الربوبية . 2 – توحيد الألوهية . 3 – توحيد الأسماء والصفات . 4 – توحيد المتابعة . ) اهـ مع قوله ص : 72 (وشرعاً هو : إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وحكمه...انظر مجموع فتاوى ابن باز 1/34 ) انتهى.





قلت: هذا تخليط فإن إدخاله توحيد المتابعة في أقسام التوحيد في نفسه غير منكر بل هو حق، قرر ذلك غير واحد من الأكابر.


ولكن يتعقب من جهة أنه عرف التوحيد الخاص بجناب الله تعالى بقوله(وشرعًا: إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وحكمه) وهذا حق، ثم قسم التوحيد إلى هذه الأربعة...فهذا يعني أن ذلك التوحيد المقسم هو عين التوحيد المعرف من قبل. وهذا غير صحيح. فإن التوحيد المعرف هو الخاص بالله تعالى أما التوحيد المقسم فمنه ما هو خاص بالله تعالى وهو الثلاثة الأولى، أما الرابع الذي هو توحيد المتابعة فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.


ثم إن عزوه حفظه الله إلى مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 1/34 خطأ، فالتعريف في 1/35، وقد نقل الشيخ بالمعنى من كلام الإمام ابن باز ولم يشر إلى ذلك.


أما كلام الشيخ في تذلك الصفحة فهو:" وهذه الكلمة التي أقولها لكم الآن تتعلق بأنواع التوحيد وأنواع الشرك. والتوحيد : مصدر وحد يوحد توحيدا, يعني: وحد الله أي اعتقده واحدا لا شريك له في ربوبيته, ولا في أسمائه وصفاته, ولا في ألوهيته وعبادته, سبحانه وتعالى. فهو واحد جل وعلا وإن لم يوحده الناس، وإنما سمي إفراد الله بالعبادة توحيدًا؛ لأن العبد باعتقاده ذلك قد وحد الله عز وجل"انتهى


وزاد الشيخ بلا تعليل كملة(حكمه) وعزاها للإمام ابن باز، وابن باز لم يتفوه بها كما نقلنا.






التَّعَقُّبُ السَّابِعُ
ص : 96 قوله ( شرك أصغر : وهوكثير مثل الحلف.....ومنه الرياء والسمعة...)انتهى.





قلت: الأضبط أن يقول كيسير الرياء، لأنه يكون من الرياء ما هو شرك أكبر وذلك إذا قصد بأصل عبادته رياء غير الله تعالى.
قال صاحب تيسير العزيز الحميد([11]):" الثاني الشرك الأصغر كيسير الرياء والتصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة...."اهـ


وبذا قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في منهاج التأسيس والتقديس في الرد على ابن جرجيس في غير موضع. وكذا شاعر الدعوة سليمان بن سحمان في الضياء الشارق. وهو جادة عبارات أهل العلم وأئمة الدعوة.


وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشية كتاب التوحيد([12]):" وأما الشرك الأصغر كيسير الرياء، وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، ونحو ذلك فيطلق عليه الشرك كما في حديث...."انتهى


وقال الشيخ العثيمين([13]):" الثانية: أن الرياء من الشرك. لحديث: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسئل عنه فقال "الرياء"، وقد سبق بيان أحكامه بالنسبة إلى إبطال العبادة.


الثالثة: أنه من الشرك الأصغر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عنه فقال: "الرياء"، فسماه شركاً أصغر، وهل يمكن أن يصل إلى الأكبر؟
ظاهر الحديث لا يمكن، لأنه قال: "الشرك الأصغر"، فسئل عنه، فقال: "الرياء".
لكن في عبارات ابن القيم رحمه الله أنه إذا ذكر الشرك الأصغر قال: كيسير الرياء، فهذا يدل على أن كثيره ليس من الأصغر، لكن إن أراد بالكمية، فنعم، لأنه لو كان يرائي في كل عمل لكان مشركاً شركاً أكبر لعدم وجود الإخلاص في عمل يعمله، أما إذا أراد الكيفية، فظاهر الحديث أنه أصغر مطلقاً"انتهى


ويغلب على ظني أن الشيخ الوصابي نقل ذلك من محاضرة الشيخ ابن باز([14]) وهي التي نقل عنها تعريف التوحيد السابق.
وقوله بأن الرياء مثال للشرك الأصغر مذكور فيها في 1/45.






التَّعَقُّبُ الثَّامِنُ
ص : 168 قوله ( أقسام السنة خمسة : .......1 – فما اعتقده الرسول صلي الله عليه وسلم اعتقدناه . 2 – وما قاله صلي الله عليه وسلم قلناه . 3 – وما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله فعلناه . 4 – وما أقره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقررناه . 5– ما تركه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تركناه انظر الرسالة للشافعي رحمه الله ص : 194)انتهى





قلت: قوله(ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فعلناه) غير دقيق، فمن أفعاله صلى الله عليه وسلم ما لا يجوز لنا فعله البتة.
وفي كتب الأصول يعقدون بابًا في أفعاله ويفصلون أنواع تلك الأفعال ولهم في ذلك كلام معروف.
فمن الأفعال ما يكون خاصّا به، فلا يشرع لأمته. قال أبو المظفر السمعاني[15]:" ما لم يخرج من أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مخرج الشرع لم يثبت به الشرع".
وقال أبو حامد الغزالي([16]):" فإذا نقل فعل عن رسول الله عليه السلام فهل يتلقى منه حكم؟
أما الواقفية فقد توقفوا فيه، وعزي إلى أبي حنيفة وابن سريج وأبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه يتلقى منه الوجوب مطلقًا.
والمختار عندنا وهو مذهب الشافعي -رضي الله عنه- أنه إن اقترن به قرينة الوجوب كقوله:{صلوا كما رأيتموني أصلي} فهو الوجوب.
وإن لم يقترن نظر فإن وقع من جملة الأفعال المعتادة من أكل وشرب وقيام وقعود واتكاء واضطجاع فلا حكم له أصلًا.
وظن بعض المحدثين أن التشبه به في كل أفعاله سنة، وهو غلط.
وإن تردد بين الوجوب والندب فإن اقترنت به قرينة القربة فهو محمول على الندب؛ لأنه الأقل والوجوب متوقف فيه.
وإن تردد بين القربة والإباحة فيتلقى منه رفع الحرج وليس هذا متلقى من صيغة الفعل إذ الفعل لا صيغة له ومستنده مسلك الصحابة([17])...."انتهى
وقال ابن القيم([18]):" لأصل مشاركة أمته له في الأحكام إلا ما خصه الدليل".
وللمبحث مواضع في كتب الأصول.
فالأولى بالشيخ الوصابي أن يقول:" ونتأسى به فيما فعله" بدلًا من قوله" وما فعله فعلناه" هكذا مطلقًا بلا تخصيص عامًا بلا تقييد.




التَّعَقُّبُ التَّاسِعُ
ص:183، قال:" البدعة قسمان: 1- كبرى. 2 – صغرى."انتهى.





قلت: في عبارته عفا الله عنه لحنٌ يعيبه أهلُ العربية؛ قال ابن هشام الأنصاري رحمه الله تعالى([19]):" والقاعدة أن كل فُعْلَى مؤنثة (أفعل) لا تستعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو بالإضافة كالكبرى والصغرى والكبر والصغر؛ قال الله تعالى:{ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ}(المدثر:35) ولا يجوز أن تقول صغرى ولا كبرى ولا كبر ولا صغر ولهذا لحنوا العروضيين في قولهم فاصلة كبرى وفاصلة صغرى"انتهى.






التَّعَقُّبُ العَاشِرُ
ص :203 قال معنوناً ( أهل السنة لا يكفرون أحداً من المسلمين) اهـ
ونقل في ص205 قول الطحاوي:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب....."إلخ.
ونقل عن الموفق ابن قدامة من لمعة الاعتقاد قوله:" ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل".





قلت: أما العنوان ففيه غموض وإبهام وتعمية، وظاهره أن أهل السنة يمتنعون من الحكم بالتكفير على من كان مسلمًا مهما اقترف من موبقات وأتى بمهلكات توجب تكفيره. وهذا غلط. فالحكم بالتكفير على مستحقه لا يتحرج منه أهل السنة أن يطلقوه.
والأولى أن يعنون فيقول:(أهل السنة لا يكفرون أحدًا من المسلمين ما لم يأت بمكف).
وقول الطحاوي المنقول فيه نظر معروف عند أهل العلم.
قال الشيخ الفوزان في شرحه الطحاوية:" (ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) هذا كما سبق أن الذنب إذا لم يكن كفراً أو شركاً مخرجاً من الملة، فإننا لا نُكَفّر به المسلم، بل نعتقد أنه مؤمن ناقص الإيمان، معرض للوعيد وتحت المشيئة. هذه عقيدة المسلم، ما لم يستحله، فإذا استحل ما حرم الله فإنه يكفر، كما لو استحل الربا أو الخمر أو الميتة أولحم الخنزير أو الزنا، إذا استحل ما حرم الله كفر بالله، وكذلك العكس: لو حرم ما أحل الله كفر: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) [التوبة:31] وجاء تفسير الآية بأنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.


أما لو فعل الذنب وهو لم يستحله بل يعترف أنه حرام فهذا لا يكفر ولو كان الذنب كبيرة دون الشرك والكفر لكنه يكون مؤمناً ناقص الإيمان أو فاسقاً بكبيرته مؤمن بإيمانه.


وقوله: (لا نكفر بذنب) ليس على إطلاقه، فتارك الصلاة متعمداً يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. كما تقوله المرجئة، يقولون: ما دام مصدقاً بقلبه فهو مؤمن كامل الإيمان، أما الأعمال فأمرها هيّن، فالذي لا يصلي ولا يصوم ولا يحج ولا يزكي ولا يعمل شيئاً من أعمال الطاعة، يقولون: هو مؤمن بمجرد ما في قلبه! وهذا من أعظم الضلال.


فالرد عليهم أن الذنوب تضر على كل حال، منها ما يزيل الإيمان بالكلية، ومنها ما لا يزيله بالكلية بل ينقصه وصاحبها معرض للوعيد المرتب عليها"انتهى


وأما قول الموفق(ولا نخرجه عن الإسلام بعمل) فخلاف معتقد السلف في أن بعض الأعمال كفرية بذاتها لا لدلالتها على كفر القلب ونحوه كما تقول المرجئة وبعض فرق الضلال.


فالسجود لصنم وإلقاء المصحف في الحش والذبح لغير الله كلها أعمال كفرية يخرج بها المرء عن الإسلام.
قال إسحاق([20]) :" أجمع العلماء أنَّ من سبَّ الله عزَّ وجلَّ ، أو رسولَه صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئاً أنزله الله ، أو قتل نبيَّاً من أنبياء الله ، وهو مع ذلك مقرٌّ بما أنزل الله ، أنَّه كافرٌ"انتهى


قال الإمام البربهاري([21]):" ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يردَّ آيةً من كتاب الله عزَّ وجلَّ ، أو يردَّ شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يصلّي لغير الله أو يذبح لغير الله ، وإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب عليك أن تخرِجَه من الإسلام فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمنٌ ومسلمٌ بالاسم لا بالحقيقة"انتهى
وأهل السنة مجمعون على أن الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد كما يكون الإيمان بذلك.
وفي اللمعة كلمات فيها نظر للعلماء كما قرر ذلك غير واحد.
قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه([22]):"... وأما كلام صاحب اللمعة فهذه الكلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف"انتهى
والله أعلم.
تم التعقب بحمد الله تعالى، وقد تركت جملة من المسائل المحتملة([23]).
والله الموفق.
ـــ
[1] - من ص7 إلى ص20.
[2] - الدرر السنية(3/301).
[3] - فتح الباري(11/528).
[4]- تيسير العزيز الحميد(ص:415).
[5] - تيسير العزيز الحميد: (ص:418).
[6] - مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب(1/212-214).
[7] - تفسير ابن كثير(6/546).
[8] - مجموع الفتاوى(7/358).
[9] - مجموع الفتاوى(11/23). وانظر للاستزاده(مجموع الفتاوى7/485، 11/182، 13/337، 13/383-384، 18/185).
[10] - جامع المسائل لابن تيمية، لعزيز شمس(1/86)، الأولى ، 1422 هـ، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع.
[11] - تيسير العزيز الحميد(ص:29، 95).
[12] - حاشية ابن قاسم:ص53.
[13] - القول المفيد: 1/88.
[14] - قال الشيخ صالح الفوزان في تحذيره من كتاب(هزيمة الفكر التكفيري):".... والأشرطة لا تكفي مرجعًا يُعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم ، لأنها غير محررة ، وكم من كلام في شريط لو عُرِضَ على قائله لتراجع عنه، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم"انتهى.
[15] - قواطع الأدلة(2/12).
[16] - المنخول:ص225-226.
[17] - المأخذ من النقل وجه الشاهد على التفصيل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أما التفصيلات الأصولية فلا يتابع الغزالي على بعضها....حسبنا موضع الشاهد.
[18] - زاد المعاد(3/ 267).
[19] - شرح قطر الندى : ص 316 بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
[20] - التمهيد لابن عبد البر(4/226).
[21] - شرح السنة :ص31، طبعة ابن القيم.
[22] - فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ : رقم 128.
[23] - ومن ذلك قوله في ص30 بعد سوقه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به" ، قال:" ....وصححه الشيخ حافظ حكمي في كتابه معارج القبول"انتهى
ومما لا يخفى أن الشيخ الجليل حافظ بن أحمد الحكمي ليس من أهل صناعة التصحيح والتضعيف، ولا يعرف بطول باع فيها، لا سيما وقد ألف كتابه (معارح القبول) وهو في حداثة سنه(عقده الثالث).
 Sumber: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=199929

Thursday, January 26, 2012

Biografi تقي الدين أبو بكر بن محمد الحسيني الشافعي الحصني

ترجمته من الضوء اللامع للسخاوي:
إسمه ونسبه

أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز التقي الحسيني الحصني ثم الدمشقي الشافعي ويعرف بالتقي الحصني، 

ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة (752هـ) ومات بعد أن ثقل سمعه وضعف بصره في ليلة الأربعاء منتصف جمادى الثانية سنة تسع وعشرين وثمنمائة (829هـ) بدمشق

وتفقه بالشريشي، والزهري، وابن الجابي، والصرخدي، والشرف الغزي، وابن غنوم، وابن مكتوم، وكذا الصدر الياسوفي، وسكن البادرائية وتشارك هو والعز بن عبد السلام القدسي في الطلب وقتاً، 

وتزوج عدة ثم انحرف قبل الفتنة عن طريقته وأقبل على ما خلق له وتخلى عن النساء وانجمع عن الناس مع المواظبة على الاشتغال بالعلم والتصنيف، ثم بعد الفتنة زاد تقشفه وزهده وإقباله على الله تعالى وانجماعه وصار له أتباع واشتهر اسمه وامتنع من مكالمة كثيرين لا سيما من يتخيل فيه شيئاً وصار قدوة العصر في ذلك وتزايد اعتقاد الناس فيه وألفيت محبته في القلوب وأطلق لسانه في القضاة، وحط علي التقي بن تيمية فبالغ وتلقى ذلك عنه طلبة دمشق وثارت بسببه فتن كثيرة، 

وتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مزيد احتقاره لبني الدنيا وكثرة سبهم حتى هابه الأكابر، وانقطع في آخر وقته في زاوية بالشاغور وكتب بخطه الكثير قبل الفتنة، وجمع التصانيف المفيدة في الفقه والتصوف والزهد وغيرها 

"كشروح التنبيه" وهو في خمس مجلدات "والمنهاج" و"صحيح مسلم وهو في ثلاث وأربعي النووي" وهو في مجلد "ومختصر أبي شجاع" في مجلد "حسن إلى الغاية والهداية" كذلك "وتفسير آيات متفرقات" في مجلد و"شرح الأسماء الحسنى" في مجلد و"تلخيص المهمات للأسنوي" في مجلدين و"قواعد الفقه في مجلدين" و"أهوال القبور" في مجلد و"سيرنساء السلف العابدات" في مجلد و"تأديب القوم" و"سير السالك على مضار المسالك" و"قمع النفوس" و"دفع الشبه"، 

ووصفه التقي بن قاضي شهبة: بالإمام العالم الرباني الزاهد الورع ونسبه حسينياً 
وقال: "ثبت نسبه علي قاضي حسبان متأخراً، قلت قبل موته بيسير مع قول نقيب الأشراف مخاطباً للتقي إن الشرف قد انقطع في بلدكم من خمسمائة عام وليت نسبي نسبك وأكون مثلك في العلم والصلاح أو كما قال، قال ابن قاضي شهبة مما تقدم أكثره 

وكان قد قدم دمشق وسكن البادرائية وكان خفيف الروح منبسطاً له نوادر ويخرج إلى النزه ويبعث الطلبة على ذلك مع الدين المتين والتحري في أقواله وأفعاله 

وتزوج عدة نساء ثم انقطع وتقشف وانجمع وكل ذلك قبيل القرن ثم ازداد بعد الفتنة تقشفه وانجماعه وكثرت مع ذلك أتباعه حتى امتنع من مكالمة الناس وصار يطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات 

وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات تضاهي ما نقل عن الأقدمين 

وكان يتعصب للأشاعرة وأصيب سمعه وبصره فضعف وشرع في عمارة رباط داخل باب الصغير فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم ثم شرع في عمارة خان السبيل ففرغ في مدة قريبة، زاد غيره أنه لما بناه باشر العمل فيه الفقهاء فمن سواهم حتى كان الحافظ ابن ناصر الدين كثير العمل فيه مع أنه ممن كان يضع من مقداره لرميه إياه باعتقاد مسائل ابن تيمية، وكراماته كثيرة وأحواله شهيرة، 

ترجمه بعضهم بالإمام العلامة الصوفي العارف بالله تعالى المنقطع إليه زاهد دمشق في زمانه الأمار بالمعروف النهاء عن المنكر الشديد الغيرة لله والقيام فيه الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم وأنه المشار إليه هناك بالولاية والمعرفة بالله،

مات بعد أن ثقل سمعه وضعف بصره في ليلة الأربعاء منتصف جمادى الثانية سنة تسع وعشرين وثمنمائة (829هـ) بدمشق وحملته الحنابلة مع شدة قيامه عليهم والتشنيع على من يعتقد ما خالف فيه ابن تيمية الجمهور،

هذا مع فوات الصلاة عليه لكثيرين لكونه أوصى أن يخرج به بغلس ولكنهم ذهبوا إلى قبره وصلى عليه غير مرة وأول من صلى عليه بالمصلى ابن أخيه شمس الدين ثم ثانياً عند جامع كريم الدين ودفن هناك وختم على قبره ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة منها أن النجم بن حجي رآه وهو جالس على مكان مرتفع يشبه الإيوان العالي وكان بمسجد قبر عاتكة وابن أخيه قريب منه وقائل يقول له هذا القطب قال ولكن رأيته مقعداً قال وخطر لي أن ذلك بسبب إطلاق لسانه في الناس، وقال غيره إنه رآه وقائل يقول له عنه ما يموت حتى يبلغ درجة وكيع، وممن ترجمه ابن خطيب الناصرية لدخوله حلب، وبلغني أن البرهان الحلبي عتبه بسبب ابن تيمية فلم يرد عليه مع كون التقي هو الذي قصده في الشرفية بالزيارة لأن البرهان تناقل الناس عنده عنه أنه لا يسلم منه متقشف ولا متصلق حيث يقول للأول هذا تصنيف أو نحوه وللثاني هذا تجبر أو تكبر أو نحوه فتحامى البرهان الاجتماع به حتى قصده هو، وذكره المقريزي في عقوده باختصار  

وقال إنه كان شديد التعصب للأشاعرة منحرفاً عن الحنابلة انحرافاً يخرج فيه عن الحد فكانت له معهم بدمشق أمور عديدة وتفحش في حق ابن تيمية وتجهر بتكفيره من غير احتشام بل يصرح بذلك في الجوامع والمجامع بحيث تلقى ذلك عنه أتباعه واقتدوا به جرياً على عادة أهل زماننا في تقليد من اعتقدوه وسيعرضان جميعاً على الله الذي يعلم المفسد من المصلح ولم يزل على ذلك حتى مات عفا الله عنه؛ وقد حدثنا عنه جماعة رحمه الله وإيانا.

Pendahuluan untuk mempelajari Ilmu Fiqh

مدخـل

في التعريف بعلم الفقه ، ومصادره، وبعض مصطلحاته 


من كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي تأليف الدكتور مصطفى الخن والدكتور مصطفى البغا وعلي الشربجي


معنى الفقه: 

إن للفقه معنيين: أحدهما لغوي، والثاني اصطلاحي. 

أما المعنى اللغوي: فالفقه معناه: الفهم. يقال: فقه يفقه: أي فهم يفهم.

قال تعالى: }فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا{ [النساء:78]. أي لا يفهمون. وقال تعالى:}ولكن لا تفقهون تسبيحهم{ [الإسراء: 44]. أي لا تفهمون تسبيحهم.

وقال رســـول الله صلى الله عليه وسلم: " إن طولَ صّلاةِ الرَّجُلِ وقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فٍقْهِهِ(رواه مسلم:869). أي علامة فهمه.

وأما المعنى الاصطلاحي؛ فالفقه يطلق على أمرين: 

الأول: معرفة الأحكام ا لشرعية المتعلقة بأعمال المكلفين وأقوالهم، والمكتسبة من أدلتها التفصيلية: وهي نصوص من القرآن والسنة وما يتفرع عنهما من إجماع واجتهاد. وذلك مثل معرفتنا
-       أن النية في الوضوء واجبة أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: " إنَّما الأعْمالُ بِالنيَّات " (رواه البخاري:1، ومسلم : 1907).
-       وإن النية من الليل شرط في صحة الصوم أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَم يبيَّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فلا صيام له" (رواه البيهقي:4 / 202،الدارقطني:2/172،وقال: رواته ثقات).
-       ومعرفتنا أنَّ صلاة الوتر مندوبة، أخذاً من حديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرائض، ثم قال بعد ذلك: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُها؟ قال: "لا إلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ" .(رواه البخاري:1792/مسلم:11).
-       وأن الصلاة بعد العصر مكروهة أخذاً من نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. ( رواه البخاري:561، ومسلم:827).
-       وأن مسح بعض الرأس واجب أخذاً من قوله تعالى:}وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ   { [المائدة:6]  . فمعرفتنا بهذه الأحكام الشرعية تسمى فقهاً اصطلاحاً.

والثاني: الأحكام الشرعية نفسها، وعلى هذا نقول : درست الفقه، وتعلمته: أي إنك درست الأحكام الفقهية الشرعية الموجودة في كتب الفقه، والمستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وإجماع علماء المسلمين، واجتهاداتهم. وذلك مثل أحكام الوضوء، وأحكام الصلاة، وأحكام البيع والشراء، وأحكام الزواج والرضاع، والحرب والجهاد، وغيرها.
فهذه الأحكام الشرعية نفسها تسمى فقهاً اصطلاحاً.

والفرق بين المعنيين: أن الأول يطلق على معرفة الأحكام، والثاني يطلق على نفس الأحكام الشرعية .

ارتباط الفقه بالعقيدة الإسلامية: 

من خصائص الفقه الإسلامي – وهو كما قلنا: أحكامُ شرعية ناظمةُ لأفعال المكلفين وأقوالهم – أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيمان بالله تعالى، ومشدود تماماً إلى أركان العقيدة الإسلامية، ولا سيما عقيدة الإيمان باليوم الآخر.
وذلك لأن عقدية الإيمان بالله تعالى هي التي تجعل المسلم متمسكاً بأحكام الدين منساقاً لتطبيقها طوعاً واختياراً.
ولأن من لم يؤمن بالله تعالى لا يتقيد بصلاةٍ ولا صيامٍ، ولا يراعي في أفعاله حلالاً ولا حراماً، فالتزام أحكام الشرع إنما هو فرعُ عن الإيمان بمن أنزلها وشرعها لعباده.
والأمثلة في القرآن الكريم التي تبيِّن ارتباط الفقه بالإيمان كثيرة جداً. وسنكتفي بذكر بعضها لنرى مدى هذا الارتباط بين الأحكام والإيمان وبين الشريعة والعقيدة: 

1.    لقد أمر الله عز وجل بالطهارة وجعل ذلك من لوازم الإيمان به سبحانه وتعالى فقال: } يا أَيُّها الَّذينَ آمنوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ إلى المَرَافِقِ{  [المائدة:6].
2.    ذكر الله الصلاة والزكاة وقرن بينهما وبين الإيمان باليوم الآخر، قال تعالى:  } الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{ [ النمل:3].
3.    فرض الله الصوم المفضي إلى التقوى، وربطه بالإيمان، قال تعالى:}يا أَيُّها الَّذينَ آمنوا كُتِبَ عَليْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ على الَّذينَ مِنْ قَبْلٍكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [ البقرة:183].
4.    ذكر الله تعالى الصفات الحميدة التي يتحلى بها المسلم وربط ذلك بالإيمان به تعالى والتي يستحق بها دخول الجنة، فقال:} قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [ المؤمنون:1-11].  اللغو: الباطل وما لا فائدة فيه من قول أو فعل. لفروجهم حافظون: جميع فرج وهو اسم لعضو التناسل من الذكر والأنثى. وحفظها: صيانتها عن الحرام ومن الوقوع في الزنى خاصة. ما ملكت أيمانهم: النساء المملوكات وهن الإماء. غير ملومين: بوطئهن. العادون: الظالمون والمجاوزون.
5.    أمر الله تعالى بحسن معاملة النساء ومهَّد لذلك بنداء المخاطبين فقال تعالى:  }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً{ [النساء:19]  تعضلوهن: تمنعوهن من الزواج. بفاحشة: سوء خلق أو نشوز أو زنى. مبينة: واضحة وظاهرة.
6.    أمر المطلقة أن تعتدّ ثلاثة قروء وألا تكتم ما في رحمها إن كانت حاملاً وعلق ذلك على الإيمان بالله واليوم الآخر، قال تعالى: }وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ{ [البقرة:228].
7.    أمر الله سبحانه وتعالى باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بعد أن نادى المؤمنين بوصف الإيمان، مشعراَ بذلك اجتنابها مرتبط بخلوص إيمانهم، فقال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{  [المائدة :90].
8.    حرَّم الله سبحانه وتعالى الربا وربط بين تركه وتحقيق التقوى والإيمان، فقال تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [آل عمران:130] وقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ [البقرة:278].
9.    حضَّ على العمل وأحاطه بسياج من الشعور بالمراقبة الإلهية والشعور بالمسؤولية، قال تعالى: }وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{ [التوبة:105].
وهكذا فقلَّما تجد حكماً من أحكام الدين في القرآن إلا وهو مقرون بالإيمان بالله تعالى ومرتبط بأركان العقيدة الإسلامية، وبهذا اكتسب الفقه الإسلامي قداسة دينية، وكان له سلطان روحي، لأنها أحكام شرعية صادرة عن الله تعالى موجبة لطاعته ورضاه، وفي مخالفتها خطر غضبه وسخطه، وليست أحكاماً قانونية مجردة لا يشعر الإنسان لها برابط يربطها في ضميره، أو يصلها بخالقه. قال تعالى: }وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{ [النساء:65].

شمول الفقه الإسلامي لكل ما يحتاج إليه الناس: 

لا شك أن حياة الإنسان متعددة الجوانب، وأن سعادة الإنسان تقتضي رعاية هذه الجوانب كلها بالتنظيم والتشريع، ولمَّا كان الفقه الإسلامي هو عبارة عن الأحكام التي شرعها الله لعباده رعاية لمصالحهم ودرءاً للمفاسد عنهم، جاء هذا الفقه الإسلامي ملماً بكل هذه الجوانب، ومنظماً بأحكامه جميع ما يحتاجه الناي، وإليك بيان ذلك:

لو نظرنا إلى كتب الفقه التي تضمن الأحكام الشرعية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين واجتهاداتهم، لوجدناها تنقسم إلى سبع زمر وتشكل بمجموعها القانون العام لحياة الناس أفراداً ومجتمعات :

الزمرة الأولى: الأحكام المتعلقة بعبادة الله من وضوء وصلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك، وتسمى هذه الأحكام: العبادات.

الزمرة الثانية: الأحكام المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق، ونسب ورضاع، ونفقة وإرث، وغيرها، وتسمى هذه الأحكام: الأحوال الشخصية. 

الزمرة الثالثة: الأحكام المتعلقة بأفعال الناس،ومعاملة بعضهم بعضاَ من شراء ورهن وإجارة، ودعاوي وبينات، وقضاء وغير ذلك، وتسمى هذه الأحكام: معاملات.

الزمرة الرابعة: الأحكام المتعلقة بواجبات الحاكم من إقامة العدل ودفع الظلم وتنفيذ الأحكام، وواجبات المحكوم من طاعة في غير معصية وغير ذلك، وتسمى هذه الأحكام: الأحكام السلطانية، أو السياسية الشرعية.

الزمرة الخامسة: الأحكام المتعلقة بعقاب المجرمين وحفظ الأمن والنظام مثل: عقوبة القاتل والسارق وشارب الخمر وغير ذلك، وتسمى هذه الأحكام: العقوبات.

الزمرة السابعة: الأحكام المتعلقة بالأخلاق والحشمة، والمحاسن والمساوئ وغير ذلك، وتسمى هذه الأحكام: الآداب والأخلاق.
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي شامل بأحكامه لكل ما يحتاج إليه الإنسان، وملمَّ بجميع مرافق حياة الأفراد والمجتمعات.

مراعاة الفقه الإسلامي اليسر ورفع الحرج:

معنى اليسر:

إن الإسلام راعي بتشريع الأحكام حاجة الناس، وتأمين سعادتهم، ولذلك كانت هذه الأحكام كلها في مقدور الإنسان، وضمن حدود طاقته، وليس فيها حكم يعجز الإنسان عن أدائه والقيام به، وإذا ما نال المكلف حرج خارج عن حدود قدرته أو متسبب بعنت ومشقة زائدة لحالة خاصة، فإن الدين يفتح أمامه باب الترخص والتخفيف. 
 
الدليل على أن الإسلام دين اليسر: 

وليس أدل على أن الإسلام دين يسر من قوله تعالى: }ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدَّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [الحج:78] ومن قوله تعالى:} يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ{ [البقرة:185]. ومن قوله تعالى: }لا يُكَلَّفُ اللهُ نَفْساً إلآ وُسْعَها{ [البقرة:286]. ومن قوله عليه الصلاة والسلام: " إنَّ الدَّينَ يُسـْرُ" (رواه البخاري:39).

أمثلة على يسر الإسلام : 

ومن الأمثلة على يسر الإسلام ما يلي: 

1- الصلاة قاعداً لمن يشق عليه القيام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ" (رواه البخاري:1066).
2- قصر الصلاة الرباعية والجمع بين الصلاتين للمســـافر، قال تعالى:}َإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ{ [النساء:101]
وروى البخاري(1056) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إذا كانَ عَلىَ ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ " . [ على ظهر سير: سائر في السفر].

مصادر الفقه الإسلامي: 

قلنا إن الفقه الإسلامي هو مجموعة الأحكام الشرعية التي أمر الله عباده بها، وهذه الأحكام ترجع بمجموعها إلى المصادر الأربعة التالية: 

القرآن الكريم – السنة الشريفة – الإجماع – القياس.

القرآن الكريم: 

القرآن: هو كلام الله تعالى: أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهو المكتوب في الصحف، والقرآن هو المصدر والمرجع لأحكام الفقه الإسلامي، فإذا عرضت مسألة رجعنا قبل كل شئ إلى كتاب الله عز وجل لنبحث عن حكمها فيه، فإن وجدنا فيه الحكم أخذنا به، ولم نرجع إلى غيره.
 
فإذا سئلنا عن حكم الخمر، والقمار، وتعظيم الأحجار، والاستقسام بالأزلام، رجعنا إلى كتاب الله عز وجل لنجد
قول الله تعالى: }يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [المائدة:90].
 
وإذا سئلنا عن البيع، والربا، وجدنا حكم ذلك في كتاب الله عز وجل، حيث قال عز من قائل: }وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا{ [البقرة:275].
 
وإذا سئلنا عن الحجاب وجدنا حكمه في قوله تعالى:} وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ [النور:31] بخمرهن: جمع خمار وهو غطاء الرأس. وجيوبهن: جمع جيب وهو شق الثوب من ناحية الرأس، والمراد بضرب الخمار على الجيب: أن تستر أعالي جسمها مع الرأس.
وكذلك في قوله تعالى:}أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{ [الأحزاب:59]. يدنين: يرخين ويغطين وجوههن وأعطافهن. جلابيبهن: جمع جلباب وهو الرداء الذي يستر كامل البدن أعاليه وأسافله. أدنى: أقرب لأن تُميَّز الشريفاتُ العفيفات من غيرهن. فلا يؤذين: بالتعرض لهن.
 
وهكذا يكون القرآن الكريم هو المصدر الأول لأحكام الفقه الإسلامي. لكن القرآن الكريم لم يقصد بآياته كل جزئيات المسائل وتبيين أحكامها والنص عليها، ولو فعل ذلك لكان يجب أن يكون أضعاف ما هو عليه الآن.
وإنما نص القرآن الكريم على العقائد تفصيلاً، والعبادات والمعاملات إجمالاً، ورسم الخطوط العامة لحياة المسلمين وجعل تفصيل ذلك للسنة النبوية. فمثلاً: أمر القرآن بالصلاة، ولم يبين كيفياتها، ولا عدد ركعاتها.
وأمر بالزكاة، ولم يبين مقدارها، ولا نصابها، ولا الأموال التي تجب تزكيتها. وأمر بالوفاء بالعقود، ولم يبين العقود الصحيحة التي يجب الوفاء بها. وغير ذلك من المسائل كثير.
لذلك كان القرآن مرتبطاَ بالسنة النبوية لتبيين تلك الخطوط العامة وتفاصيل ما فيه من المسائل المجملة.

السنة الشريفة:
 
والسنّة هي كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير.

فمثال القول: ما أخرجه البخاري(48) ومسلم(64) عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: " سِبَابُ الْمسْلِمِ فُسُوقٌ، وقِتالُهُ كُفْرٌ".
 
ومثال الفعل: ما رواه البخاري عائشة رضي الله عنها لما ســئلت: "مَا كَانَ يَصْنَعُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قَالَتْ : كَانَ يَكونُ في مَهْنَةِ أَهْلَهِ، فَإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ قَامَ إلَيْها" .

مهنة التقرير: ما رواه  أبو داود( 1267) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال:" صلاة الصبح ركعتان"، فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين التي قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتبر سكوته إقراراً على مشروعية صلاة السنة القبلية بعد الفرض لمن لم يصلِّها قبله.
 
منزلة السنَّة:
 
والسنة تعدُّ في المنزلة الثانية بعد القرآن الكريم من حيث الرجوع إليها: أي إنما نرجع أولاً إلى القرآن، فإن لم نجد الحكم فيه رجعنا إلى السنة، فإذا وجدناه فيها عملنا به كما لو كان في القرآن الكريم، شريطة أن تكون ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسند صحيح.

وظيفة السنة النبوية:
وظيفة السنة النبوية إنما هي توضح وبيان لما جاء في القرآن الكريم، فالقرآن – كما قلنا – نص على الصلاة بشكل مجمل، فجاءت السنة ففصلت كيفيات الصلاة القولية والعملية. وصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:" صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلَّي"( رواه البخاري:605).
وكذلك بينت السنة أعمال الحج ومناسكه، وقالصلى الله عليه وسلم:" خُذوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ" (رواه البخاري).
وبينت العقود الجائزة، والعقود المحرَّمة في المعاملات، وغيرها.
كذلك شرعت السنة بعض ما سكت عنه القرآن ولم يبين حكمه؛مثل: تحريم التختُّم بالذهب ولبس الحرير على الرجال.
 
وخلاصة القول: إن السنة هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، وإن العمل بها واجب ، وهي ضرورية لفهم القرآن والعمل به.

الإجماع:
 
والإجماع معناه: اتفاق جميع العلماء المجتهدين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعيَّ، فإذا اتفق هؤلاء العلماء – سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم – على حكم من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً وكان العمل بما أجمعوا عليه واجباً. دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن علماء المسلمين لا يجتمعون على ضلالة، فما اتفقوا عليه كان حقاً.
روى أحمد في مسنده ( 6/396) عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يَجْمَعَ أُمَّتي عَلى ضَلالَةٍ فَأَعْطَانيها".
ومثال ذلك: إجماع الصحابة  رضي الله عنهم على أن الجد يأخذ سدس التركة مع الولد الذكر، عند عدم وجود الأب.
 
منزلة الإجماع:
والإجماع يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الرجوع إليه، فإذا لم نجد الحكم في القرآن، ولا في السنة، نظرنا هل أجمع علماء المسلمين عليه، فإن وجدنا ذلك أخذنا وعملنا به.

القياس:
 
وهو إلحاق أمر ليس فيه حكم شرعي بآخر منصوص على حكمه لاتحاد العلة بينهما, وهذا القياس نرجع إليه إذا لم نجد نصاً على حكم مسألة من المسائل في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع.
 
منزلة القياس:
وأركان القياس أربعة: أصلُ مقيسٌ عليه، وفرعٌ مقيس، وحكم الأصل المنصوص عليه، وعلة تجمع بين الأصل والفرع.
 
مثال القياس:
إن الله حرَّم الخمر بنص القرآن الكريم، والعلة في تحريمه: هي أنه مسكر يذهب العقل، فإذا وجدنا شراباً آخر له اسم غير الخمر، ووجدنا هذا الشراب مسكراً حكمنا بتحريمه قياساً على الخمر، لأن علة التحريم- وهي الإسكار – موجودة في هذا الشراب، فيكون حراماً مثل الخمر.
هذه هي المصادر التشريعية التي ترجع إليها أحكام الفقه الإٍسلامي ذكرناها تتميماً للفائدة، ومكان تفصيلها كتب أصول الفقه الإسلامي.

ضرورة التزام الفقه الإسلامي، والتمسك بأحكامه، وأدلة ذلك من القرآن والسنّة.
 
لقد أوجب الله على المسلمين التمسك بأحكام الفقه الإسلامي، وفرض عليهم التزامه في كل أوجه نشاط حياتهم وعلاقاتهم.
وإحكام الفقه الإسلامي كلها تستند إلى نصوص القرآن والسنة، والإجماع والقياس- في الحقيقة – يرجعان إلى القرآن والسنة.
فإذا استباح المسلمون ترك أحكام الفقه الإسلامي، فقد استباحوا ترك القرآن والسنة، وعطلوا بذلك مجموع الدين الإسلامي، ولم يعد ينفعهم أن يتسموَّا بالمسلمين أو يدَّعوا الإيمان، لأن الإيمان في حقيقته هو تصديق بالله تعالى، وبما أنزل في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والإسلام الحقيقي يعني الطاعة والامتثال لكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل مع الإذعان والرضا.
وأحكام الفقه الإسلامي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مهما تبدل الزمن وتغير، ولا يباح تركها بحال من الأحوال.
 
أدلة ذلك من القرآن والسنة:
والأدلة على وجوب التزام الفقه والتمسك بأحكامه كثيرة جداً في الكتاب والسنة:

أما في الكتاب:

فقد قال الله تعالى: }اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء{ [الأعراف:3]. وقال:}فلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً{ [ النساء: 65]. وقال تعالى: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا{ [الحشر:7]. وقال تعالى: }إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً{ [النساء:105]
 
وبناءً على هذه النصوص الآمرة باتباع ما أنزل الله تعالى وتحكيم الرسولصلى الله عليه وسلم وسنته في كل ما ينشأ من معاملة بين الناس، والناهية عن كل مخالفة لله ورسوله.

بناءً على ذلك يعد من يختار من الأحكام غير ما اختاره الله ورسوله، قد ضلَّ ضلالاً بعيداً قال تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً{ [ الأحزاب:36] .
وأما في السنة:

فالأحاديث كثيرة أيضاً، منها: ما روى البخاري(2797) ومسلم (1835) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصاني فَقَدْ عَصَى اللَّهَ". ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسي بيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبعاً لَما جِئْتُ بِهِ" (ذكره الإمام النووي في متن الأربعين النووية:41، وقال: حديث صحيح). وقوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنتَّي" (رواه أبو داود: 4607، والترمذي:2678). وقوله:"تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّو بَعْدِي: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتي" (انظر:مسلم:1218،وأبو داود:1905، والموطأ:2/899).

هذه الأدلة من القرآن والسنة واضحة في وجوب إتباع الأحكام التي شرعها الله عز وجل للعباد في كتابه، وعلى لسان نبيهصلى الله عليه وسلم، قال تعالى: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور:63].

التعريف ببعض المصطلحات الفقهية:
 
لا بد قبل البدء بأبواب الفقه ومسائله من التعريف ببعض المصطلحات الفقهية التي تدور عليها أحكام الفقه في جميع الأبواب وهذه المصطلحات هي : 

1- الفرض: 

الفرض هو ما طلب الشرع فعله طلباً جازماً، بحيث يترتب على فعله الثواب، كما يترتب على تركه العقاب.
ومثاله الصوم، فإن الشرع الإسلامي طالبنا بفعله مطالبة جازمة، قال تعالى: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ{ [البقرة:183]. أي فرض. فإذا صمنا ترتب على هذا الصيام الثواب في الجنة، وإذا لم نَصُمْ ترتب على ذلك العقاب في النار. 

2- الواجب:

والواجب مثل الفرض تماماً في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، لا فرق بينهما أبداً إلا في باب الحج.
فالواجب في باب الحج:هو ما لا يتوقف عليه صحة الحج، وبعبارة أخرى: لا يلزم من فوته فوت الحج وبطلانه، وذلك مثل رمي الجمار، والإحرام من الميقات، وغير ذلك من واجبات الحج، فإذا لم يأت الحاج بهذه الواجبات صح حجه، ولكن كان مسيئاً، ووجب جبر ترك هذه الواجبات بفدية هي إراقة دم.

وأما الفرض في الحج فهو ما يتوقف عليه صحة الحج، وبعبارة أخرى: يلزم من فوته فوت الحج وبطلانه.
ومثال ذلك الوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، وغير ذلك من الفروض فإنه إذا لم يأت بها بطل حجه. 

3- الفرض العيني: 

هو ما يطلب من كل فرد من أفراد المكلفين طلباً جازماً، مثل الصلاة والصيام، والحج على المستطيع، فإن هذه العبادات تجب على كل مكلف بعينه، ولا يكتفي بقيام بعض المكلفين بها دون الباقين. 

4- الفرض الكفائي: 

هو ما كان مطالباً بفعله مجموع المسلمين، لا كل واحد منهم، بمعنى: أنه إذا قام به بعضهم كفى، وسقط الإثم عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد أثموا وعصَوا جميعاً.
ومثل ذلك: تجهيز الميت والصلاة عليه، فإن واجب المسلمين إذا مات فيهم ميت أن يغسلوه ويكفنوه، ويصلوا عليه، ثم يدفنوه، فإذا قام بهذا العمل بعض المسلمين حصل المقصود، وإذا لم يقم به أحد عصَوا جميعاً، وأثموا لتركهم هذا الفرض الكفائي. 

5- الركن: 

وهو ما وجب علينا فعله وكان جزءاً من حقيقة الفعل، وذلك مثل قراءة الفاتحة في الصلاة، والركوع، والسجود فيها، فهذه الأمور تسمى أركاناً. 

6- الشرط: 

وهي ما وجب فعله، ولكنه ليس جزءاً من حقيقة الفعل، بل هو من مقدماته، وذلك مثل الوضوء، ودخول وقت الصلاة، واستقبال القبلة، فهذه الأمور كلها خارجة عن حقيقة الصلاة، ومقدمة عليها، ولا بد منها لصحة الصلاة، وتسمى شروطاً. 

7- المندوب:

والمندوب هو ما طلب الشرع فعله لكن طلباً عير جازم، حيث يترتب الثواب على فعله، ولا يترتب العقاب على تركه.
ومثال ذلك: صلاة الضحى، وقيام الليل، وصيام ستة أيام من شوال وغير ذلك، فهذه العبادات إن فعلناها أثبنا عليها، وإن لم نفعلها لم نعاقب على تركها.
ويسمى المندوب سنة، ومستحباً، وتطوعاً، ونفلاً. 

8- المباح: 

وهو ما كان فعله وتركه سواءً، لأن الشرع لم يأمرنا بتركه، ولم يأمرنا بفعله، بل جعل لنا حرية الترك والعمل، ولذلك لم يترتب على فعل المباح أو تركه ثواب أو عقاب، ومثال ذلك قوله تعالى: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ{ [الجمعة:10].
أفادت هذه الآية أن العمل بعد صلاة الجمعة مباح، فمن شاء عمل، ومن شاء ترك. 

9- الحرام: 

وهو ما طالبنا الشرع بتركه طلباً جازماً، بحيث يترتب على تركه امتثالاً لأمر الله ثوابٌ ويترتب على فعله عقاب، ومثال ذلك: القتل، قال الله تعالى: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ{ [الإسراء:33]. وأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: }وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ{ [البقرة:188]. فإذا فعل الإنسان شيئاً من هذه المحرَّمات أثم واستحق العذاب، وإذا تركها تقرباً إلى الله استحق على تركها الثواب.
ويسمى الحرام محظوراً، ومعصية، وذنباً. 

10- المكروه: 

والمكروه قسمان: مكروهاً تحريمياً، ومكروهاً تنزيهياً. 

المكروه تحريمياً: هو ما طالبنا الشرع بتركه طلباً جازماً لكن دون طلب ترك الحرام، بحيث يترتب على تركه امتثالاً لأمر الله تعالى الثواب، ويترتب على فعله العقاب، لكن دون عقاب الحرام. ومثال ذلك صلاة النفل المطلق عند طلوع الشمس، أو عند غروبها. فهذه الصلاة مكروهة تحريمياً. 

المكروه تنزيهياً: هو ما طلب الشرع تركه طلباً غير جازم، بحيث إذا عرفة للحاج، فإن ترك الصوم امتثالاً لأمر الدين أثيب ، وإن صام لم يعاقب. 

11- الأداء: 

وهو فعل العبادة في وقتها المحدد لها من قبل الشرع، وذلك كصيام رمضان في شهر رمضان، وكصلاة الظهر في وقتها المحدد شرعاً. 

12- القضاء:
وهو فعل العبادة التي وجبت خارج وقتها المحدد لها من قبل الشرع، وذلك كمن صام رمضان في غير رمضان بعد فواته، أو صلى الظهر في غير وقتها المحدد شرعاً بعد فواته.
والقضاء واجب، سواء فاتت العبادة بعذر، أو بغير عذر، والفرق بينهما: أن فوتها بغير عذر موجب للإثم، وفوتها بعذر غير موجب للإثم.
قال تعالى: }فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ [البقرة:185] . أي من أفطر لعذر مرض أو سفر، فعليه قضاء ما فاته بعد رمضان.

13- الإعادة: 

والإعادة هي فعل العبادة في وقتها مرة ثانية لزيادة فضيلة، وذلك كمن صلى الظهر منفرداً، ثم حضرت جماعة، فإنه يُسَنُّ له إعادتها تحصيلاَ لثواب الجماعة. 

* * *