مذكرة لدراسة كتاب كفاية الأخيار
كتاب الطهارة
تعريف الكتاب
الكتاب مشتق من الكتب وهو الضم والجمع يقال تكتب بنو فلان : إذا اجتمعوا ومنه كتيبة الرمل
تعريف الطهارة
و الطهارة اللغة: النظافة تقول طهرت الثوب : أي نظفته
وفي الشرع: عبارة عن رفع الحدث أو إزالة النجس أو ما في معناهما أو على صورتها كالغسلة الثانية والثالثة، والأغسال المسنونة، وتجديد الوضوء، والتيمم وغير ذلك مما لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا ولكنه في معناه
أنواع الماء المطلق
المياه التي يجوز بها التطهير سبع مياه : ماء السماء، وماء البحر، وماء النهر، وماء البئر، وماء العين، وماء الثلج، وماء البرد.
الأدلة لكل نوع من المياه
- الأصل في ماء السماء قوله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به }[1] وفي غيرها
- وفي ماء البحر قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر فقال : [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] [2]
- وفي ماء البئر حديث سهل رضي الله تعالى عنه : [ قالوا يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة وفيها ما ينجي الناس والحائض والجنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الماء طهور لا ينجسه شيء ] [3] و ماء النهر و ماء العين في معناه.
وأما ماء الثلج و ماء البرد فالأصل فيه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيه قبل أن يقرأ فقلت : يارسول الله ما تقول ؟ قال : أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس : اللهم اغسلني من خطاياي بماء الثلج والبرد ] [4]
أقسام المياه:
المياه على أربعة أقسام :
القسم الأول: طاهر مطهر غير مكروه وهو الماء المطلق
تعريف الماء المطلق
الماء الذي يرفع الحدث ويزيل النجس هو الماء المطلق واختلف في حده فقيل:
تعريف الأول: هو العاري عن القيود والإضافة اللازمة [5]
شرح التعريف
فقوله : "عن القيود" خرج به مثل قوله تعالى : { من ماء مهين }[6]، { من ماء دافق } [7]
وقوله "الإضافة اللازمة" خرج به مثل: ماء الورد ونحوه، واحترز بالإضافة الإضافة غير اللازمة كماء النهر ونحوه فإنه لا تخرجه هذه الباقي على وصف خلقته
تعريف الثانى: ما يسمى ماء
شرح التعريف
وسمي "مطلقا" لأن الماء إذا أطلق انصرف إليه [8].
القسم الثانى من المياه: وطاهر مطهر مكروه وهو الماء المشمس
هذا هو القسم الثاني من أقسام الماء وهو الماء المشمس وهو طاهر في نفسه لم يلق نجاسة، و مطهر أي يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء إطلاق اسم الماء عليه.
سؤال: وهل يكره ؟ فيه الخلاف
القول الأول: الأصح عند الرافعي أنه يكره وهو الذي جزم به المصنف.
وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة ويختص استعماله بالبدن وتزول بالتبريد على الأصح[9]
يكره المشمس بشرطين :
أحدهما : أن يكون التشميس في الأواني المنطبعة كالنحاس والحديد والرصاص لأن الشمس إذا أثرت فيها خرج منها زهومة تعلو على وجه الماء ومنها يتولد البرص ولا يتأتى ذلك في إناء الذهب والفضة لصفاء جوهرهما لكنه يحرم استعمالهما على ما يأتي ذكره فلو صب الماء المشمس من إناء الذهب والفضة لإي إناء مباح لا يكره لفقد الزهومة وكذا لا يكره في أواني الخزف وغيرها لفقد العلة
الشرط الثاني : أن يقع التشميس في البلاد الشديدة الحرارة دون الباردة والمعتدلة فإن تأثير الشمس فيهما ضعيف ولا فرق بين أن يقصد التشميس أو لا لوجود المحذور ولا يكره المشمس في الحياض والبرك بلا خوف
دليل القول الأول
- واحتج له الرافعي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ نهى عائشة رضي الله تعالى عنها عن المشمس وقال إنه يورث البرص ] [10]
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ من اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ][11]
- وكرهه عمر رضي الله تعالى عنه وقال : [ إنه يورث البرص ][12]
وهل الكراهة شرعية أو إرشادية ؟ فيها وجهان:
الوجه الأول: أصحهما في شرح المهذب أنها شرعية فعلى هذا يثاب على ترك استعماله
الوجه الثانى: أنها إرشادية لا يثاب فيها، لأنها من وجهة الطب
القول الثانى: إن المشمس لا يكره مطلقا، وعزاه الرافعي إلى الأئمة الثلاثة
القول الثالث: يراجع الأطباء
الراجح
[عدم الكراهية] قال النووي في زيادة الروضة : وهو الراجح من حيث الدليل وهو مذهب أكثر العلماء، وليس للكراهية دليل يعتمد.
فائدة
قال النووي في زيادة الروضة : ويكره شديد الحرارة والبرودة، والعلة فيه عدم الإسباغ.
وقال في آبار ثمود : إنه منهي عنها، فأقل المراتب أنه يكره استعمالها.
القسم الثالث من المياه: طاهر غير مطهر
الماء المستعمل
هذا هو القسم الثالث من أقسام الماء وهو الماء المستعمل في رفع الحدث أو إزالة النجس إذا لم يتغير [طعمه أو ريحه] ولا زاد وزنه فهو طاهر
دليل
- لقوله عليه الصلاة والسلام : [ خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه ][13]
- وما رواه البخاري (191) ومسلم (1616) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رسول الله r يعودني وأنا مريض لا أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ مِنْ وَضوئِهِ عَلي. [لا أعقل: أي في حالة غيبوبة من شدة المرض. من وضوئه: الماء الذي توضأ به] ولو كان غير طاهر لم يصبه عليه[13 أ].
وهل هو طهرو برفع الحدث ويزيل النجس أيضا ؟ فيه خلاف
المذهب أنه غير طهور [13 ب ].
الدليل
ودليل كونه غير مطهر ما رواه مسلم (283) وغيره: عن أبي هريرة t أن النبي r قال: " لاَ يَغْتَسِلْ أَحدُكُمْ في المَاءِ الدَّاثِمِ ـ أي الراكد ـ وَهُوَ جُنُب " فقالوا: يا أبا هريرة، كيف نفعل؟ قال: يتناوله تناولاً وحكم الوضوء في هذا حكم الغسل لأن المعنى فيهما واحد، وهو رفع الحدث [14].
فقد أفاد الحديث: أن الاغتسال في الماء يخرجه عن طهوريته، وإلا لم ينه عنه، وهو محمول على الماء القليل لأدلة أخرى.
- لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين ما كانوا يجمعونه ليتوضؤوا به ثانيا، ولو كان ذلك سائغا لفعلوه
واختلف الأصحاب في علة منع استعماله ثانيا
- والصحيح أنه تأدى به فرض
- وقيل إنه تأدى به عبادة [15]
والمتغير بما خالطه من الطاهرات
هذا من تتمة القسم الثالث وتقدير الكلام والماء المتغير بشيء من الطاهرات طاهر في نفسه غير مطهر كالماء المستعمل
وقوله "بما خالطه" احترازا عما إذا تغير بما يجاوره ولو كان تغيرا كثيرا فإنه باق على طهوريته، كما إذا تغير بدهن أو شمع وهذا هو الصحيح لبقاء اسم الماء
ضوابط التغير
- وضابطه أن كل تغير يمنع اسم الماء المطلق يسلب الطهورية وإلا فلا، فلو تغير تغيرا يسيرا فالأصح أنه طهور لبقاء الاسم
- ويكفي في التغير أحد الأوصاف الثلاثة : الطعم أو اللون أو الرائحة على الصحيح، وفي وجه ضعيف يشترط اجتماعها
- ولا فرق بين التغير المشاهد أو التغير المعنوي، كما إذا اختلط بالماء ما يوافقه في صفاته ماء الورد المنقطع الرائحة، وماء الشجر، والماء المستعمل فإنا نحكم بسلب طهورية هذا الماء الذي وقع فيه من المائع ما يوافقه في صفاته وإلا فلا يسلبه الطهورية
أنواع الخالط
الزعفران والجص (kapur)
ولا بد أن يكون الواقع في الماء مما يستغنى عنه كالزعفران والجص ونحوهما
الطين، والطحلب(lumut)، والنورة (bata)، والزرنيخ (racun serangga)
أما إذا كان التغير بما لا يستغني الماء عنه كالطين والطحلب والنورة والزرنيخ وغيرهما في مقر الماء وممره والمتغير بطول المكث، فإنه طهور للعسر وبقاء اسم الماء، ولو تغير الماء بالتراب المطروح فيه قصدا فهو طهور على الصحيح
الملح
والمتغير بالملح فيه أوجه : أصحها يسلب طهوريته الجبلي دون المائي
أوراق الأشجار
ولو تغير الماء بأوراق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت (terpotong-potong) في الماء فهو طهور على الأظهر وإن تفتتت واختلطت فأوجه : الأصح أنه باق على طهوريته لعسر الاحتراز عنها.
فلو طرحت الأوراق في الماء قصدا وتغير بها فالمذهب أنه غير طهور سواء طرحها في الماء صحيحة أو مدقوقة والله أعلم
القسم الرابع من المياه: ماء نجس
تعريف
وماء نجس وهو "الذي حلت فيه نجاسه وهو دون القلتين أو كان قلتين فتغير"
هذا هو القسم الرابع من المياه وهو كما ذكره ينقسم إلى قليل وكثير
شرح التعريف
وقوله : "حلت فيه نجاسة" احترز به عما لو تروح الماء بجيفة ملقاة على شط الماء فإنه لا ينجس لعدم الملاقاة
وقوله : "فتغير" احترز به عما إذا لم يتغير الماء الكثير بالنجاسة وقد تكون قليلة وتستهلك في الماء فإنه لا ينجس ويستعمل جميع الماء على المذهب الصحيح
القول الثانى: وفي وجه يبقى قدر النجاسة
و"القلتان" خمسمائة رطل بالعراقي تقريبا في الأصح
واحترز بـــ "النجاسة المؤثرة" عن غير المؤثرة
دليل
لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر لا ينجسه شيء ] [16]
قال الشافعي رضي الله عنه قال ابن جريح : رأيت قلال هجر، والقلة تسع قربتين وشيئا فاحتاط الشافعي رضي الله تعالى عنه وجعل الشيء نصفا، والقربة لا تزيد في الغالب على مائة رطل وحينئذ فجملة ذلك خمس قرب وهي خمسمائة رطل بالعراقي
وهل ذلك على سبيل التقريب أو التحديد ؟
الأصح أنه على سبيل التقريب فعلى هذا الأصح أنه لا يضر نقصان قدر لا يظهر بنقصه تفاوت في التغير بقدر من المتغيرات
مثاله
لو وضعنا قدر رطل من المغيرات في خمسمائة رطل ووضعنا قدر رطل ما تأثرت فهذا النقصان لا يؤثر
فلو وضعنا قدر رطل من المتغيرات في خمسمائة رطل إلا خمسة أرطال مثلا فأثر قلنا هذا النقص يؤثر
وعلى قول التحديد يضر أي نقص كان كنصب الزكاة
وقيل يعفى عن نقص رطلين، وقيل ثلاثة ونحوها
وقدر القلتين بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا وقدرهما بالدمشقي مائة وثلاثون درهما والله أعلم
الماء القليل
القول الأول: فأما القليل فينجس بملاقاة النجاسة المؤثرة سواء تغير أم لا
كما أطلقه الشيخ لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : [ إذا بلغ قلتين لم يحمل خبثا ][16] وفي رواية [نجسا ] [17] فدل الحديث بمفهومه على أنه إذا كان دون قلتين يتأثر بالنجاسة
الأمثلة
قال النووي في الروضة : كالميتة التي لا نفس لها سائلة مثل الذباب، والخنافس ونحوها
- وكالنجاسة التي لا يدركها الطرف لعموم البلوى به وكما إذا وقع الذباب على نجاسة ثم سقط في الماء. ورشاش البول الذي لا يدركه الطرف فيعفى عنه و
- كما إذا ولغت الهرة التي تنجس فمها ثم غابت واحتمل طهارة فمها فإن الماء القليل لا ينجس في هذه الصور
- ويستثنى أيضا اليسير من الشعر النجس فلا ينجس الماء القليل صرح به النووي في باب الأواني من زيادته ونقله عن الأصحاب، ولا يختص بشعر الآدمي في الأصح أي تفريعا على نجاسة شعر الآدمي ويعرف اليسير بالعرف قال الإمام : لعله الذي يغلب انتتافه (tercabut)لكنه قال في شرح المهذب : يعفى عن الشعرة والشعرتين والثلاث.
- ويستثنى أيضا الحيوان إذا كان على منفذه نجاسة ثم وقع في الماء فإنه لا ينجسه على الأصح لمشقة صونه ذكره الرافعي [في شروط الصلاة] بخلاف ما لو كان مستجمرا بحجر فإنه ينجسه بلا خلاف كما قال في شرح المهذب فإن المستجمر بالحجر ونحوه يمكنه الاحتراز(menghindarinya).
- ويستثنى أيضا ما إذا أكل الصبي شيئا نجسا ثم غاب واحتمل طهارة فمه كالهرة فإنه لا ينجس الماء القليل ذكر ذلك ابن الصلاح وهي مسألة حسنة
القول الثانى: وقال مالك رحمه الله تعالى : الماء القليل لا ينجس إلا بالتغير كالكثير وهو وجه في مذهبنا واختاره الروياني
الماء الجاري
وفي قول قديم أن الماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير واختاره جماعة منهم الغزالي والبيضاوي في كتابه غاية القصوى وهو قوي من حيث النظر
دليل
لأن دلالة [ خلق الله الماء طهورا ] [18] دلالة نطق وهي أرجح من دلالة المفهوم في قوله عليه الصلاة والسلام : [ إذا بلغ الماء قلتين ] [19] الحديث
الماء الكثير
وأما الكثير وهو قلتان فصاعدا فلا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم [ خلق الله الماء طهورا ] [20] الحديث والإجماع منعقد على نجاسته بالتغير، ثم لا فرق بين التغير اليسير والكثير سواء كانت النجاسة الملاقية للماء مخالطة أو مجاورة
القول الثانى: وفي وجه شاذ أن النجاسة المجاورة لا تنجسه
ولو وقع في الماء الكثير نجاسة توافقه في صفاته كبول منقطع الرائحة فإنا نقدره على ما تقدم في الطاهرات
ولو وقع في الماء الكثير نجاسة جامدة فقولان:
القول الأول: الأظهر أنه يجوز له أن يغترف من أي موضع شاء ولا يجب التباعد لأنه طاهر كله
القول الثانى: والقول الآخر أنه يتباعد عن النجاسة قدر قلتين ولو تغير بعض الماء الكثير فالأصح في الرافعي الكبير نجاسة جميع الماء
الراجح
والأصح في زيادة الروضة إن كان الباقي دون قلتين فنجس وإلا فطاهر ورجحه الرافعي في الشرح الصغير والله أعلم
المتردد بين القليل والكثير
فرع : في زيادة الروضة إذا وقع في الماء نجاسة وشك هل هو قلتان أم لا ؟ فالذي جزم به الماوردي وغيره أنه نجس لتحقيق النجاسة والإمام فيه احتمال والمختار بل الصواب الجزم بطهارته لأن الأصل طهارته ولا يلزم من النجاسة التنجس والله أعلم
_____________________________________________
[1]
[2]
[3]
[4]
[5] وهذا هو الصحيح في الروضة والمحرر ونص عليه الشافعي
[6]
[7]
[8] وهذا ما ذكره ابن الصلاح وتبعه النووي عليه في شرح المهذب.
[9] وما صححه من زوال الكراهية بالتبريد قد صحح الرافعي في الشرح الصغير بقاءها وقال في الشرح المهذب : الصواب أنه لا يكره.
[10] وحديث عائشة هذا ضعيف باتفاق المحدثين ومنهم من جعله موضوعا
[11] وحديث ابن عباس غير معروف
[12] وكذا ما رواه الشافعي عن عمر بن الخطاب أنه يورث البرص ضعيف لاتفاق المحدثين على تضعيف إبراهيم بن محمد
قال المصنف: وما ذكره من أثر عمر رضي الله عنه فممنوع، ودعواه الاتفاق على تضعيف إبراهيم أحد الرواة غير مسلم، فإن الشافعي وثقه وفي توثيق الشافعي كفاية وقد وثقه غير واحد من الحفاظ ورواه الدارقطني بإسناد آخر صحيح.
قال الألباني عن إبراهيم بن محمد: وابراهيم هذا وهو ابن محمد بن أبي بحيى الأسلمي متروك متهم عند أكثر العلماء وان احتج به الشافعي فقد خفي عليه حاله كما بينه ابن أبي حاتم في " مناقب الشافعي " وتكلف ابن عدي والبيهقي وغيرهما فحاولا تمشية حاله ! وقد حكى الحافظ في " التلخيص " ( ص 7 ) أقوال الأئمة الجارحين وفيهم من قال : كان يضع الحديث . ومنهم من قال : " لم يخرج الشافعي عن ابراهيم حديثا في فرض إنما جعله شاهدا " . فرد . الحافظ بقوله :" قلت : وفي هذا نظر والظاهر من حال الشافعي أنه كان يحتج به مطلقا وكم من أصل أصله الشافعي لا يوجد الا من رواية ابراهيم . وقال محمد بن سحنون : لا أعلم بين الأئمة اختلافا في ابطال الحجة به . وفي الجملة فإن الشافعي لم يثبت عنده الجرح فيه فلذلك اعتمده . والله أعلم " . قلت : ولذلك قال الحافظ في ترجمته من " التقريب " : " متروك " . وكذا قال الذهبي في " الضعفاء " وزاد : " عند الجمهور وقال أبو داود : كان قدريا رافضيا مأبونا " . وقد توبع . فقال ابن أبى شيبة : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن زيد بن أسلم به مثل لفظ ابن غراب . هذا سند صحيح على شرط مسلم . قال الحافظ : " ورراه عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم به نحوه . وعلقه البخاري "(إرواء الغليل 1/ 49-50 من المكتبة الشاملة الإصدار الثانى).
قال الألباني عن أثر عمر: "وأما أثر عمر الذي أشار إليه العقيلى فلا يصح عنه وله إسنادان :
الإسناد الأول : قال الشافعي في " الأم " : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني صدقة بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر : " أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال : انه يورث البرص " . ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في " سننه " ( 1 / 6 ) وفي " المعرفة " ( 1 / 4 ) وأطال الكلام فيه حول ابراهبم هذا محاولا تمشية حاله ولكن عبثا، فالرجل متهم متروك كما سبق بيانه عند الحديث رقم (5 )
وهذا الإسناد مسلسل بالعلل : الأولى : ابراهيم المذكور . الثانية : صدقة بن عبد الله وهو أبو معاوية السمين قال الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " . الثالثة : عنعنة أبي الزبير فإنه مدلس .
قلت [الألباني] : ومع كل هذه العلل " وشدة ضعف إبراهيم شيخ الشافعي يقتصر الحافظ في " الدراية " على قوله : " إسناد ضعيف " !
الإسناد الثاني : عن حسان بن أزهر السكسكي قال : قال عمر : " لا تغتسلوا بالماء المشمس فانه يورث البرص " . أخرجه ابن حبان في " الثقات " في ترجمة حسان هذا ( 1 / 25 ) والدارقطني والبيهقي وسكتا عنه . وأعله ابن التركماني بإسماعيل بن عياش مع أنه من روايته عن الشاميين وهي صحيحة عند البخاري وغيره من الأئمة . وذلك مما يعرفه ابن التركماني ولكنه أعله به ملزما بذلك البيهقي لانه فعل مثله في غير هذا الأثر مع تصريحه في " باب ترك الوضؤ من الدم " بما ذكرنا من صحة روايته عن الشاميين . فهكذا يعمل التعصب المذهبي بأهل العلم !"
على أن اسماعيل لم يتفرد بهذا بل تابعه عليه أبو المغيرة عبد القدوس عند ابن حبان وهو ثقة من رجال الشيخين فهل خفي هذا على ابن التركماني ؟ ! انما علة هذا الإسناد حسان هذا فإني لم أجد له ترجمة عند أحد سوى أن ابن حبان ذكره في " الثقات " وما أظن أنه يعرفه إلا في هذا الأثر وهو معروف بتساهله في التوثيق . ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى تضيف هذا الإسناد أيضا حين قال عقبه في " الدراية " : " وهو أصلح من الأول " . وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله كما في " معرفة البيهقي " : " ولا أكره الماء المشمس الا أن يكره من جهة الطب " (إرواء الغليل 1/ 53-54 من المكتبة الشاملة الإصدار الثانى).
[13] وفي رواية [ أو لونه ] وهو ضعيف.
[13أ]
[13ب] والراجح أنه غير مكروه شرعا.
قال الشيخ ابن العثيمين: "الكراهة حكمٌ شرعيٌّ يفتقر إلى دليل، وكيف نقول لعباد الله: إنه ُيكره لكم أن تستعملوا هذالماء. وليس عندنا دليلٌ من الشَّرع.
ولذلك يجب أن نعرف أن منع العباد مما لم يدلَّ الشرعُ على منعه كالتَّرخيص لهم فيما دَلَّ الشَّرع على منعه؛ لأن الله جعلهما سواء فقال: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام {النحل: 116} بل قد يقول قائل: إن تحريم الحلال أشدُّ من تحليل الحرام؛ لأن الأصلَ الحِلُّ، والله عزَّ وجلَّ يحبُّ التَّيسير لعباده".
وأجاب الشيخ ابن باز على سؤال حول الوضوء من الماء المجتمع في الإناء تحت الصنبور [kran]
س : أحيانا أتوضأ؛ ويكون تحت الصنبور إناء يجتمع فيه الماء ، فما حكم الوضوء من الماء الذي اجتمع في الإناء ، وهل إذا توضأت من هذا الماء تكون الصلاة صحيحة؟ .
ج : الوضوء من الماء المجتمع في إناء من أعضاء المتوضئ أو المغتسل يعتبر طاهرا .
واختلف العلماء في طهوريته ، هل هو طهور يجوز الوضوء والغسل به ، أم طاهر فقط ، كالماء المقيد مثل : ماء الرمان وماء العنب ، ونحوهما؟
والأرجح : أنه طهور؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الماء طهور لا ينجسه شيء أخرجه الإمام أحمد ، وأهل السنن إلا ابن ماجة بإسناد صحيح .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة ، فإذا تغير بذلك صار نجسا بالإجماع .
لكن ترك الوضوء من مثل هذا الماء المستعمل أولى وأحوط؛ خروجا من الخلاف ، ولما يقع فيه من بعض الأوساخ ، الحاصلة بالوضوء به أو الغسل .
والمراد بالوضوء : هو غسل أعضاء الوضوء من الوجه وما بعده .
والله ولي التوفيق .
[15] وتظهر فائدة الخلاف في صورتين :
الصورة الأولى : فيما استعمل في نفل الطهارة كتجديد الوضوء، والأغسال المسنونة، والغسلة الثانية والثالثة
فعلى الصحيح يكون الماء طهورا لأنه لم يتأد به فرض
وعلى الضعيف لا يكون طهورا لأنه تأدى به عبادة
ولا خلاف أن ماء الرابعة طهور على العلتين لأنه لم يتأد به فرض ولا هي مشروعة
والغسلة الأولى غير طهور على العلتين لتأدى الفرض والعبادة بمائها
الصورة الثانية : الماء الذي اغتسلت به الكتابية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم هل هو طهور ؟
ينبني على أنها لو أسلمت هل يلزمها إعادة الغسل فيه خلاف
إن قلنا لا يلزمها فهو غير طهور
وإن قلنا يلزمها إعادة الغسل وهو الصحيح : ففي الماء الذي استعملته حال الكفر وجهان يبنيان على العلتين
إن قلنا إن العلة تأدى الفرض فالماء غير طهور
وإن قلنا إن العلة تأدى العبادة فهو طهور لأن الكافرة ليست من أهل العبادة
واعلم أن الزوجة المجنونة إذا حاضت وغسلها زوجها حكمها حكم الكافرة فيما ذكرناه وهي مسألة حسنة ذكرها الرافعي في صفة الوضوء وأسقطها النووي من الروضة
واعلم أن الماء الذي توضأ به الصبي غير طهور
وكذا الماء الذي يتوضأ به المتنفل
وكذا من لا يعتقد أن الماء الذي توضأ به الصبي غير طهور
وكذا الماء الذي يتوضأ به المتنفل
وكذا من لا يعتقد وجوب النية على الصحيح في الجميع
ثم ما دام الماء مترددا على العضو لا يثبت له حكم الاستعمال، ولو جرى الماء من عضو المتوضيء إلى عضو آخر صار مستعملا حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى صار مستعملا
ولو انتقل الماء الذي يغلب فيه لانتقال من عضو إلى موضع آخر من ذلك العضو كالحاصل عند نقله من الكف إلى الساعد ورده إلى الكف ونحوه لا يضر انتقاله
وإن خرقه الهواء وهي مسألة حسنة ذكرها الرافعي في آخر الباب الثاني من أبواب التيمم وأهملها النووي إلا أنه ذكر هنا من زيادة الروضة أنه لو انفصل الماء من بعض أعضاء الجنب إلى بعضها وجهين : الأصح عند الماوردي والروياني أنه لا يضر ولا يصير مستعملا والراجح عند الخراسانيين أنه يصير مستعملا
وقال الإمام : إن نقله قصدا صار مستعملا وإلا فلا
وصحح النووي في التحقيق أنه يصير مستعملا
وصحح ابن الرفعة أنه لا يصير مستعملا
ولو انغمس جنب في ماء دون قلتين وعم جميع بدنه ثم نوى ارتفعت جنابته بلا خلاف وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى غيره ولا يصير مستعملا بالنسبة إليه صرح به الخوارزمي حتى إنه قال : لو أحدث حدثا ثانيا حال انغماسه جاز ارتفاعه به وإن نوى الجنب قبل تمام الانعماس ارتفعت جنابته عن الجزء الملاقى للماء بلا خلاف ولا يصير الماء مستعملا بل له أن يتم الانغماس وترتفع عنه الجنابة عن الباقي على الصحيح المنصوص والله أعلم
[16]
[17]
[18]
[19]
[20]
المراجع
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز 10/10 من المكتبة الشاملة